القفزة الكبرى إلى الأمام بداية إخفاق الطاقة النووية
''أنا واثق تماماً من أننا عثرنا على الجائزة الكبرى''. بهذه الكلمات دشَّن فْريد لي، الذي كان وزيراً للطاقة في ذلك الحين، برنامج بريطانيا للطاقة النووية التجارية في 1965. وفي أعقاب اتفاقية الأسبوع الماضي لإنشاء المفاعل الأول، في جيل جديد من المحطات النووية في بريطانيا، فإن هذه لحظة مناسبة لنتذكر الأحداث التي وقعت بعد إعلان الوزير. بريطانيا لم ''تعثر على الجائزة الكبرى''، بل كان ذلك من أسوأ القرارات التجارية المتخذة.
كان العلماء البريطانيون مسؤولين عن التطورات التكنولوجية المذهلة أثناء الحرب العالمية الثانية. كان المحرك النفاث، وكذلك الرادار، اختراعين بريطانيين. استُخدِمت أجهزة الكمبيوتر الأولى في بينتشلي بارك، لفك الشفرات الألمانية. وتم تخليق المضادات الحيوية في مختبرات بريطانية، ولعب العلماء البريطانيون دوراً مهما في مشروع مانهاتن (لتطوير القنبلة الذرية).
الابتكارات الصيدلانية هي الوحيدة، التي وفرت الأساس للنجاح التجاري المستدام، اليوم نجد أن بريطانيا – التي كانت في الماضي من أبرز البلدان الصانعة لهياكل الطائرات – لا تصنع شيئاً يذكر للطائرة المدنية بخلاف المحركات. وهي ضعيفة في تكنولوجيا المعلومات. والمحطة النووية الجديدة في هينكلي بونت على الساحل الجنوبي الغربي، ستكون من صناعة وتشغيل فرنسا، بدعم مالي من الصين، وباستخدام تكنولوجيا تم تطويرها في الولايات المتحدة.
ما زاد من تعقيد الإخفاقات التكنولوجية البريطانية هو ظاهرة سياسية توصلتُ إلى أن أطلق عليها: ''تناذر القفزة العظيمة إلى الأمام''. الفكرة هي أن أفضل طريقة للتعويض عن العثرات والخطوات الفاشلة هي التحرك، بقفزة واحدة، في الملعب. من الصعب التفكير في أي حالة كانت فيها هذه الاستراتيجية ناجحة، ومن السهل أن نتذكر الكوارث التي أعقبت ذلك – من طائرة الكونكورد في الستينيات إلى المشروع الفاشل في الفترة الأخيرة، لحوسبة سجلات الخدمة الصحية البريطانية.
كانت صناعة الطاقة البريطانية في البداية مصدر اعتزاز وطني له ما يبرره، وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تركز على الحرب الباردة، كانت حليفتها أثناء الحرب تطور تطبيقات سلمية. في 1956، كبست الملكة إليزابيث الشابة على زر في كالدر هول في شمال شرقي إنجلترا، لبدء أول تدفق للكهرباء بالطاقة النووية في شبكة تجارية.
لكن بعد أقل من عشرة أعوام، كشفت حالات انقطاع الكهرباء في الشتاء عن عورات الشبكة الكهربائية. كانت حكومة عمالية قد انتُخِبت للتو، وأعلن هارولد ويلسون، رئيس الوزراء الجديد، الحاجة إلى الاستفادة من ''الحرارة البيضاء'' للتكنولوجيا. كان ذلك الوقت رائعاً للقفزة العظيمة إلى الأمام.
برنامج الإنشاء الذي أعقب ذلك، هيمن على استثمارات الشركات والحكومة في بريطانيا، لأكثر من عقد. ولم يشتمل فحسب على بناء سبع محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، بل وعلى بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء بالفحم، على نطاق غير مسبوق.
من الناحية الفعلية لم ينجح شيء يذكر في هذه القدرة الإنتاجية خلال العقدين اللاحقين. لكن هذا لم يهم، لأنه لم تكن هناك حاجة للكهرباء منها، على أية حال. كان البرنامج النووي هو المشكلة الرئيسية. جميع المحطات السبع استخدمت تصميماً بريطانياً غريباً يُدعى المفاعل المتقدم المبرَّد بالغاز. كان متوسط الوقت اللازم للإنجاز 20 عاماً، حتى مع ذلك، لم تكن المحطات تنتج الكهرباء بحسب الطاقة المقررة. القدرة الكامنة على التصدير أثارت حماسة الوزير لي، ولا أظن أن هناك أي حاجة للقول بأننا لم نشهد أي طلب أجنبي على الكهرباء من بريطانيا.
في السبعينيات والثمانينيات، تم إخفاء النطاق الضخم للفشل بصورة منهجية عن الوزراء والجمهور. أما المهندسون الذين كانوا يتحكمون في صناعة الكهرباء، فقد تلقوا التكريم بألقاب ''سير'' و''لورد''. وأدت خصخصة قطاع الكهرباء في أواخر الثمانينيات إلى كشف النقاب عن النطاق الضخم للموارد المهدرة في الماضي، وتكاليف التنظيف في المستقبل. واكتشف أصحاب لقب ''السير'' واللوردات، أن الكذب على سوق الأسهم ينطوي على خطر شخصي أعظم من الكذب على البرلمان.
سُحبت المحطات النووية القائمة من عملية البيع، لكن حتى بعد أن شُطِبت التكاليف الرأسمالية إلى نحو الصفر، كانت الجوانب الاقتصادية لا يرجى منها. لقد عملت التقنيات الجديدة، القائمة على حرق الغاز، على تخفيض تكاليف توليد الكهرباء، وبالتالي فإن شركة بريتش إنيرجي، التي أنشئت لتشغيل المعامل النووية، انهارت في 2002.
هناك عبر كثيرة في هذه الكارثة: صعوبة نقل التقدم العلمي إلى واقع تجاري؛ وعجز البيروقراطيات الكبيرة عن تحمل الملاحظات النقدية؛ والدماثة البريطانية التي تفضل الإجماع السطحي على الجدل الصادق؛ وعوامل الجاذبية السياسية للتأجيل – بمعنى أن المشكلة التي يتم تأجيلها لن تسبب الإحراج إلا لشخص آخر. لكن لم يكن هناك تحقيق حول السبب في تَبيَّن أن سياسات الطاقة في الماضي، كانت إخفاقاً اقتصادياً وسياسياً، بل وعلمياً. للأسف، إن تكرار التاريخ أيسر من التعلّم منه.
( فايننشل تايمز 5/11/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews