لا "قومية إسرائيلية" ولا "قومية يهودية" أيضاً
رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية بعد مداولات دامت سنوات، طلب مجموعة من اليهود في إسرائيل تسجيل أنفسهم في بند القومية على أنهم إسرائيليون، مؤكدة عدم وجود ما يثبت وجود "قومية إسرائيلية" وهو القرار الذي كان قد صدر قبل 41 عاما من المحكمة المركزية في تل أبيب.
بالمعنى الفعلي فإن إشكالية الهوية ما تزال تثير جدلا حاميا في الكيان الصهيوني. وحتى اللحظة لم يجر حل هذه الإشكالية. بالطبع رفض المحكمة الإسرائيلية يثير تساؤلات لدى القراء العرب عن أسباب الرفض؟ في إسرائيل ما زالوا يكتبون لليهود في بند القومية: يهودي. وللفلسطيني في منطقة 1948: عربي. وعلى هذا الأساس يجري التفريق بين اليهودي والعربي الفلسطيني هذا أحد أسباب رفض المحكمة لاقتراح وجود "القومية الإسرائيلية". أي للتفرقة بين اليهودي وغير اليهودي بكل ما تحمله هذه النظرة من عنصرية (تفرقة بين المواطن اليهودي والمواطن غير اليهودي). ومن حقوق أعلى وأكثر بكثير لليهود بالمقارنة مع غيرهم. هذا أولا. السبب الثاني: فإن إسرائيل ما زالت تبلور مفهوم أنها دولة "يهودية" أي أنها دولة اليهود في كل أنحاء العالم وليس للإسرائيليين (الذين يعيشون في إسرائيل ) ولذلك فان كل قرارات الأساس (بديل الدستور) التي سنتها الكنيست الإسرائيلي منذ إنشاء الدولة الصهيونية في عام 1948 حتى هذه اللحظة، أكدت على أن إسرائيل هي دولة اليهود.
قرار المحكمة الإسرائيلية يدلل على أهمية المصطلحات التي يستعملها العدو. هذه المسألة التي لا يهتم بها كثيرون من الفلسطينيين والعرب وهذا نقوله بأسف كبير، إضافة إلى بعض أجهزة الإعلام العربية التي اعتادت على إطلاق مصطلح: الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على الصراع في الشرق الأوسط. من جانب آخر، شطح البعض بعيداً في اختزال هذا الصراع إلى كلمة (نزاع)، وبدأ في التسمية من خلال مصطلح: النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أو حتى تسميته بــ (الخلاف). إضافة بالطبع إلى ترديد المصطلحات التي تريدها الصهيونية وإسرائيل واستخدامها مثل تعبيرات: الدولة العبرية ( وهذا من اخطر المصطلحات فقد أثبت التاريخ والدراسات عدم وجود أية روابط بين اليهود والعبرية، التي هي لغة آرامية لا علاقة لها باليهود لا من قريب أومن بعيد. بل حرصوا على ربطهما لتعميق الوجود اليهودي في التاريخ ) ومثل: "الدولة اليهودية "للدلالة على الأرض الفلسطينية. ومثل تعبير "الشعب اليهودي" و"الأمة اليهودية" و"القومية اليهودية" للدلالة على اليهود بينما لأهم شعب ولا هم أمة ولا هم قومية، فاليهودية ديانة مثل الإسلام والمسيحية يعتنقها الأمريكي والروسي والأفريقي والهندي وغيرهم.
بدايةً، فإن المصطلحات لا تأتي عفويةً، وهي مقصودة ثم إنها من ناحية أخرى مهمة للتوصيف، الأمر الذي ينزع العفوية عن التسمية.في هذه المقالة سنركز على توصيف الصراع.
مصطلح الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي خاطئ تماماً، فرغم أن الفلسطينيين هم الواجهة في هذا الصراع، لكن الخطر الإسرائيلي لا يطال الفلسطينيين وحدهم، وإنما كل العرب من المحيط إلى الخليج. هذا ما لا نقوله نحن، بل تقوله حقائق الصراع، والأحلام الصهيونية، والأهداف الإسرائيلية، وتاريخ إسرائيل منذ ما قبل قيامها حتى هذه اللحظة.
إسرائيل ما زالت تحتل هضبة الجولان العربية السورية، ولقد سبق وان ضمّتها إلى إسرائيل، بقرار اتخذته الكنيست، وهي لاتزال تعتبر الهضبة أرضاً إسرائيلية.
إسرائيل ما تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية، وسبق أن احتلت أراضْ مصرية، وهي تلاحق الفلسطينيين في الدول العربية، مثلما حدث في تونس من عملية اغتيال لخليل الوزير، وفي دبي من اغتيال لمحمود المبحوح، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، رغم ارتباط الأردن باتفاقية وادي عربة مع إسرائيل، واغتالت كثيرين من القادة الفلسطينيين في قلب بيروت.
إسرائيل قامت بتفجير وتدمير المؤسسة النووية العراقية، واغتالت عالم الفيزياء النووية، المصري العربي يحيى المشد في باريس، والذي كان يعمل في بغداد، وقامت بتفجيرات في سوريا قديماً وحديثاً.
وزير خارجية العدو الفاشي ليبرمان، هدد بقصف السد العالي، هذا عدا عن الحلم الذي يلامس شغاف قلوب بعض الأحزاب الدينية اليمينية، في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. كثيرون من الساسة والقياديين العسكريين الإسرائيليين بمن فيهم نتنياهو رئيس الوزراء الحالي، ما زالوا يعتقدون بأن الأردن جرى اقتطاعه عنوةً من الوطن الإسرائيلي، ولذلك يؤمنون بإقامة الفلسطينيين دولتهم، فيه، من بين هؤلاء رئيس الكنيست الحالي وأعضاء كثيرون فيه.
هذا غيض من فيض من رؤية الحركة الصهيونية للعالم العربي. إضافة بالطبع إلى أن التصور الإسرائيلي للعلاقة مع العرب، يتمثل في إقامة علاقات مع دولهم دون شروط مسبقة، بعيداً عما يسمى بـ مبادرة السلام العربية التي أطلقتها قمة بيروت، والتي ما زالت موضوعة على الطاولة.
الإسرائيليون لا يفصلون بين الصراع مع الفلسطينيين والصراع مع العرب، ويأتي البعض منّا للأسف ليفصل بين المسألتين.
الحركة الصهيونية وفي مؤتمر بنرمان في عام 1908، اتفقت مع الدول الاستعمارية الغربية، على إنشاء دولتها، في المنطقة التي تفصل الجزء الآسيوي من الوطن العربي عن جزئه الآخر في أفريقيا، لتمنع توحيد الجزأين مستقبلاً، وهذا ما كررته معاهدة سايكس بيكو.
الإسرائيليون يتآمرون على الجبهات الداخلية في الأقطار العربية، وصولاً إلى الدعم العسكري لبعض الأطراف المنادية بتجزئة الدولة الواحدة، صدّروا آفة القطن لمصر، وهم وراء تهريب المخدرات إليها وإلى بعض الدول العربية الأخرى أيضاً، وهم يشكلون فرقاً للتجسس على هذه الأقطار. والدليل على تدخلهم التخريبي في العالم العربي، الدور في كل من العراق والسودان والصومال وغيرها من الأقطار العربية الأخرى. ولن ننتهي من تعداد آلاف الأدلة الأخرى على تآمر إسرائيل وجرائمها، وتدخلاتها السافرة في الأقطار العربية، ومع ذلك يأتي البعض علينا بإطلاق مصطلح الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
أما كلمتي (النزاع) و(الخلاف) التي يطلقها البعض على الحالة الفلسطينية - الإسرائيلية، فهو تسطيح للحقيقة وجهل كبير في حقيقة الصراع، فما بين الطرفين ليس نزاعاً أو خلافاً على قضية بسيطة، بل هو صراع أزلي ما بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين إسرائيل والحركة الصهيونية من جهة أخرى.
تسمية الصراع مع إسرائيل بأنه محدود بالفلسطينيين، هي إغراق في القطرية الكريهة، وهي تجاوب مع الاتهامات الصهيونية وبعض الغربية الأخرى بأن ما من جامع بين الأقطار العربية، وتجاوب مع مقولة انعدام وجود الأمة العربية، وانعدام وجود الثقافة والتاريخ والاقتصاد، وغيرها بين الدول العربية.الأدق تعبيراً في استعمال المصطلحات هو التسمية بـ الصراع العربي - الإسرائيلي الصهيوني. أما استخدام المصطلحات التي تريدها إسرائيل فيجري استخدامها للأسف بشكل واسع للدلالة على إسرائيل. الذي نسأله لهؤلاء : ألا تستطيعون التوصيف بتعبيرات مثل : إسرائيل. الكيان الصهيوني؟ ثم أين هي حقيقة وجود (المجتمع) الإسرائيلي الذي ترددونه؟ أليس من الأفضل استعمال كلمة : الشارع بدلا من مجتمع لا يملك مقومات بناء المجتمع فالإسرائيليون هم غزاة لفلسطين جاءوا من أقطار متعددة لا تجانس بينهم ولا تاريخ ولا عادات مشتركة... إلى آخر مكونات المجتمع، فلا "قومية يهودية"" ولا "قومية إسرائيلية" وهم أيضا لا "شعب" ولا"مجتمع" ولا "أمة"! موضوع المصطلحات هو حرب دائرة بيننا وبين إسرائيل...ألا تتفق معي عزيزي القارئ؟ والقضية مطروحة برسم النقاش.
( المصدر : الشرق القطرية 10-10-2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews