لا تستطيع اسرائيل ولا غيرها في عصر الخيارات المتعددة أن تعلم نية ايران وحكامها
إن الشهر الاخير الذي بدأ بسلاح سورية الكيميائي واستمر بعد ذلك الى برنامج ايران الذري، بدأ فترة جديدة للسياسة الخارجية والامنية للعالم والمنطقة واسرائيل هي فترة الخيارات، وعصر “تقريبا” – ضربة عسكرية تقريبا، وسلاح ذري تقريبا. فهناك وقوف على الحافة بدل السير الى النهاية. وتُبقي الأطراف لنفسها دون إضرار بالحقوق قدرة لا يحسن أن تحققها.
استقر رأي براك اوباما نظريا على الهجوم على سورية. وهو قرار كقرارات ليفي اشكول على مذهب الوعد الذي لم يوعد بتنفيذه – فقد قرر لكنه قرر ايضا ألا ينفذ القرار. إن قرار الامتناع عن التنفيذ بحجة تجنيد دعم من مجلس النواب، قد مكّن بشار الاسد من تحقيق الخيار الكيميائي الذي حصل عليه مع الحكم الموروث عن أبيه.
واستقر رأي النظام في طهران كما يبدو على الاكتفاء بخيار ذري. وإن كلفة الانتقال من قدرة بالقوة الى منظومة ذرية عسكرية عالية جدا، فلا يحسن دفعها اذا جلب الاكتفاء بما قد جُمع الى النظام فائدة أكبر في الداخل (فضغط اقتصادي أقل يعني غليانا سياسيا أقل) وفي الخارج (إزالة العزلة). ويجدر أن يقف عند 90 في المائة من المسافة كي يحرز 90 في المائة من الأهداف وألا يُصر على الوصول الى خط النهاية لينهار عنده وقد خارت قواه.
إن بنيامين نتنياهو، وهو نعجة في جلد ذئب، يعمل بحسب هذا النهج منذ عقد ونصف لاضعاف السلطة التنفيذية لرئيسين ديمقراطيين في البيت الابيض هما بيل كلينتون، واوباما الآن، ولتقوية خصومهما السياسيين. وقد فشلت جهوده لانتخاب ميت رومني، لكن الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب وهي متطرفة وانفصالية أضرت اضرارا شديدا بقدرة الرئيسين على اجراء سياسة تعتمد على قوة امريكية مبرهن عليها. فاذا كان اوباما ذئبا من ورق فان نتنياهو من المذنبين بذلك لأن الجمهوريين أسرى هوامشهم اليمينية كحال نتنياهو في الليكود بالضبط.
إن المعادلة التي تجعل الخيار العسكري الامريكي يواجه الخيار الذري الايراني تقوم على فرض أن نظام خامنئي هو لاعب عقلاني ومنطقي. وأنه يعرف حساب الربح والخسارة والكلفة والفائدة. وأنه حينما يُطعن يؤلمه ذلك ولا يطلب الزيادة عليه. فاذا كان خامنئي يعمل عن منطقه – كما يعبر عن ذلك المجيء بروحاني للرئاسة – فان ذلك يتضمن زعم أن الايرانيين يُدبرون فقط لخداع ذلك الأحمق اوباما وليَجروا في وقت انصراف الذهن عنهم الى السلاح الذري الذي سيجلب كارثة عليهم.
من الصعب الى غير الممكن أن نحزر نية حاكم عدو أو كل حاكم في الحقيقة. كيف ادعوا في الحكومة وهيئة القيادة العامة و”أمان” قبل اربعين سنة أنهم يعلمون ما الذي سيستقر رأي السادات عليه في حين لم تعلم المستويات العليا التي عملت ملازمة لغولدا مئير حينما دخلت في التباحث المصيري في تجنيد قوات الاحتياط والضربة المانعة، ما الذي سيستقر رأي غولدا عليه، ولولا ذلك لما كان رئيس هيئة الاركان وقائد سلاح الجو يصيبان بالجنون عبثا منظومة الطائرات الحربية ويُسهمان في اخراجها عن التوازن.
قبل سنوات وقُبيل عملية مباغتة موجهة على دولة جارة، بحث رئيس الوزراء وأحد قادة الاستخبارات في رد الحاكم العربي على الضربة التي سيتلقاها. وجرى الحديث هناك ايضا عن الفرق بين رأس الحربة القاتل وبين التبجح الذي لا يجوز أن يصاحب العملية كي لا يفضي ذلك الى المذلة والحفز الى الانتقام، لكن رجل الاستخبارات اليقظ حصر العناية في ذِكر حدود المعرفة البشرية. “حتى لو نجحت أنجح عميلة للموساد في مصادقة الحاكم وفي أن تُدخل الى دماغه جهازا يبث إلينا أعمق ما يفكر فيه فلن نعلم نواياه لأنه هو ايضا لا يعلمها”.
إن النوايا تبني قدرة تكون أساسا لنوايا تحقيقها. وفي عصر الخيارات تلوح تباشير توازن معقول بين ادعاء التأثير في القدرة والسعي الى تغيير النوايا. ليست غاية اسرائيل الحقيقية احباط حصول ايران على القدرة الذرية بل أن تدفع الى الأمام بمسار جعل ايران تشبه الهند أو فرنسا، أي أن تكون قوة ذرية دون نية آثمة موجهة الى اسرائيل.
( هآرتس 7/10/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews