وثائق 1973 تكشف عن مقدار قتل الأسرى من الجيش الاسرائيلي في حرب يوم الغفران
قُتل 86 جنديا من الجيش الاسرائيلي على الأقل أُسروا في الجبهتين المصرية والسورية في حرب يوم الغفران، كلهم تقريبا قبل أن يصلوا الى السجون في مناطق القاهرة ودمشق. إن هذا المعطى غير الموجود اليوم في مخازن معلومات الجيش الاسرائيلي، بحسب اقوال جهات عسكرية رسمية، كُشف عنه في توجيهات سرية للجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست في تشرين الثاني – كانون الاول 1973 بعد انقضاء الحرب باسابيع قليلة.
أُسقطت السرية عن التوجيهات في المدة الاخيرة وأصبحت الآن قريبة المتناول للنظر فيها في أرشيف الدولة. أُسر في حرب يوم الغفران نحو من 300 جندي من الجيش الاسرائيلي أكثرهم في سيناء. وقد أُعيد الأسرى من مصر في تشرين الثاني 1973 ومن سوريا في حزيران 1974. إن المعطيات التي جُمعت قرب نهاية الحرب قد صُنفت على أنها سرية مع ملاحظة أنه سيُحتاج الى تحديثها بعد اعادة الأسرى من سوريا والتحقيق معهم. وأُضيف كما نعلم الى العدد الذي سُلم في أواخر 1973 ضابطان من الجيش الاسرائيلي منهما المقدم آفي لنير من سلاح الجو الذي أُعيدت جثته الى اسرائيل بعد أن مات أو أُميت في السجن السوري.
وقال رئيس قسم القوة البشرية في هيئة القيادة العامة وقت الحرب، اللواء هرتسل شبير، في تقرير له في أحد التوجيهات السرية في 23 تشرين الثاني إنه قد جُمعت مادة مؤكدة عن 42 حالة قتل لجنود اسرائيليين في الأسر السوري. “حققنا في الحالات وأنا أقصد هنا قتل الأسرى واعمال التنكيل”، قال شبير. “جُمعت المعلومات من معطيات ميدانية؛ وتحقيق مع رجال ومنهم من كانوا في موقع جبل الشيخ ونجحوا في الخروج منه؛ ومن أسرى سوريين أُسروا منهم أسير كان في موقع جبل الشيخ؛ ومن مصادر استخبارية مختلفة”.
وعلى أثر هذا التحقيق نُقل الملف الى النيابة العامة العسكرية الرئيسة، وبعد تنقيح قانوني – الى وزارة الخارجية التي قدمت الى مؤسسات دولية احتجاجا رسميا. وقال شبير: “لا شك في أن هذه المادة صحيحة بحسب التحقيق الذي أجريناه. وحينما يعود أسرانا من سوريا نستطيع أن نقوم بالمرحلة الثانية من التحقيق اعتمادا على المادة التي سنحصل عليها منهم”.
واجتمعت في الجبهة المصرية ايضا معطيات عن عدد مشابه، 42 الى 44 حالة قتل. “تعتمد المعلومة على التحقيق مع أسرانا (الذين أُعيدوا) وعلى التحقيق مع أسرى مصريين وعلى مادة استخبارية”، قال شبير في تقريره.
“جُمعت في المرحلة الاولى مادة كافية صادقة عن 29 حالة باجراء يشبه التحقيق السوري. ونُقلت هي ايضا الى النيابة العامة العسكرية الرئيسة ومنها الى وزارة الخارجية التي قدمت احتجاجا أول. ويتم إكمال لـ 13 – 14 حالة اخرى. فيما يتعلق بمصر لا أفرض أن نحصل في المستقبل القريب على معلومات اخرى لأن الأسرى أُعيدوا. وربما حين يتيحون لنا الدخول الى منطقة نقل ضحايانا سنجد حلا لسؤالنا احيانا عن العدد. فاذا كان جندي ما أُعيد من الأسر يشهد مثلا أنه برغم أن رفاقه رفعوا أيديهم مستسلمين عند مدخل الموقع الحصين وأصاب المصريون ثلاثة أو قال شخص ما آخر اربعة وآخر اثنين فآمل أن يمكننا أن نقول بيقين كم أُصيبوا”.
ويقول شبير إن “المعلومات الاستخبارية عن مصر أقل صلابة من المعلومات التي استُخلصت من مصادر اخرى لأن فيها فخرا مصريا بعدد من الحالات نعلم أنها غير دقيقة. فالاعداد التي يتحدث المصريون عنها ليست حقيقية، واذا كانوا يتحدثون عن عشرات فاننا نعلم أن أفرادا قُتلوا”.
وفي هذه المرحلة سأل عضو الكنيست اسحق رفائيل هل كانت كل حالات قتل الأسرى في مصر في مراحل الأسر الاولى؟. وأجابه اللواء شبير: “كان ذلك في خلال مراحل القتال ما دام كان يوجد اتصال بين رجالنا والمصريين وما داموا كانوا في مسار سقوط أو قتال وحينما أُصيبوا وبقوا في الميدان”.
قال وزير الدفاع موشيه ديان الذي أعلن قبل ذلك أن الأسرى قُتلوا إنه اعتمد في اعلانه “على حقائق أدلى بها ناسنا الذين رأوا كيف كانوا يطلقون النار على الأسرى. لم أتحدث عن نتيجة حسابية لأنه ينقص كذا وكذا من الجنود، ويمكن أن يكون الآخرون قُتلوا. وقد سمعت هذا بأذني من قائد موقع حصين (رأى) أنهم أطلقوا النار على مجموعة اشخاص. وفي حالة اخرى توجد معلومات غير مباشرة عن طيارين هبطوا وكانوا على اتصال بهم وبعد ذلك انقطع الاتصال ولم يُعادوا. إن ما قلته لم يكن على أساس تخمين أنه اذا كان ينقص من القائمة اشخاص فربما يكونون قد قُتلوا؛ بل قلته على أساس حقائق عملية. وقد تحدثت الى أسرى قالوا “قتلوا أسرى أمامنا”. ففكرت آنذاك في أنه لا يمكن إخفاء ذلك. فالأسرى يتحدثون عن ذلك في بيوتهم فهل أقول إنني لم أعلم ما حدث؟ وهكذا يقولون إن حكومتي اسرائيل ومصر تتعاونان على إخفاء الامر؟ ولذلك حينما سُئلت كيف عامل المصريون الأسرى قلت وقعت حالات قتلوا فيها أسرى”.
رفائيل: “سمعت من عائلات أن أسرى أُعيدوا الى بيوتهم أدوا السلام من أناس كانوا معهم في الأسر ولم يعودوا. وكان أناس رأوهم في التلفاز ولم يعودوا. ولهذا اسأل ألم تقع حالات قتل ايضا في الأسر في مصر؟”.
شبير: “لا، ولا حتى حالة واحدة. وقد سُئلت في ذلك عدة مرات. لا توجد واقعة واحدة استطيع أن أشير فيها الى جندي اسرائيلي كان في الأسر أو سُمع في المذياع أو شوهد في الصحف لم يعد من الأسر. وقعت ثلاث حالات أو أربع لجنود توفوا في الأسر وتقول الشهادات إن المصريين ساعدوهم على الموت في الأسر. هذا حدث. وأُعيدت جثثهم إلينا. ولم تقع أية حالة لأسير يقول إنه رأى شخصا ما في الأسر ولم يُعد. ولا توجد صورة واحدة لشخص ما عُرف أنه كان في الأسر ولم يُعد. وقع تشويش على الاسماء”. وأضاف شبير: “يؤسفني أنه كانت عائلات أشارت الى صور وتعرفت. واضطررنا الى أن نفعل فعلا قاسيا شيئا ما على العائلات. فقد أتينا بـ 11 عائلة كهذه جعلناها تلقى الأسرى. وكان اللقاء على النحو التالي: كانت الصورة تكون على الطاولة وتقول العائلة إن الابن في الصورة واضطررنا الى أن ندخل الى الغرفة الأسير الذي في الصورة لأنه ما كان من الممكن دون ذلك أن نحطم ايمان العائلة بأن هذا هو ابنها حقا”.
ويقول شبير: “عندنا صعوبات أكبر في الجبهة السورية في تحديد تاريخ القتل ما عدا عدة حالات كما في موقع جبل الشيخ. وكان التاريخ بالحزر في اماكن اخرى بحسب مكان وجود الضحايا وحزر أين وقعت المعركة تقريبا مع اضافة تاريخ الانسحاب السوري. وكان تخميننا أنهم كانوا ممسكين بهم حينما أُسروا. وحينما ضغط الجيش الاسرائيلي عليهم وبدأوا ينسحبون كان ذلك هو التاريخ الذي قُتلوا فيه كما يبدو”.
عضو الكنيست جدعون هاوزنر: “أفترض أن الجثث التي أعادها المصريون قد فُحصت. فهل بيّن الفحص معلومة أو ظناً عن التنكيل المصري بالجثث؟”.
شبير: “يؤسفني جدا أنه يصعب اثبات ذلك. على سبيل المثال قُتل أحد الأسرى في المستشفى بأن أخرج مضمد مصري الاوكسجين من جسمه ومنع الغلوكوز عنه. ولا يكشف أي تحقيق وأي فحص جسمي عن ذلك. وهذه شهادة أسير كان في المستشفى كان جرحه أخف. وفيما يتعلق بسائر الحالات ايضا حينما تلقينا جثثا مع شهادات، فاننا لا نؤمن أنه يمكن أن نقول بحسب الشهادات وبحسب الفحص عن الجثث إن الموت حدث على هذا النحو أو ذاك”.
وفي توجيه آخر قال رئيس هيئة الاركان الفريق دافيد (دادو) اليعيزر، إن الجيش الاسرائيلي سلم الى الجيش المصري قائمة مفقودين. “نظن أنهم في أيديهم بحسب شهادات أسرى ورفاق. والتزموا بأن يفحصوا ويقدموا جوابا. وأخشى أن نحصل على تفسيرات ولا نحصل على أسرى. أنا أعلم أن أسرانا قُتلوا في الطريق من الجبهة الى السجون وعندنا عدة معلومات عن ذلك ولم تتم اعادة جثثهم. يقولون في اعلانهم الرسمي إنه لا يوجد أسرى في مدينة السويس ويوجد بين 20 – 25 قتيلا. ولا يوجد مع الجيش الثالث أسرى منا كما أعلنوا وأفترض أن هذا صحيح. فمنذ 22 تشرين الاول لم يؤسر أي أسير منا في السويس. وأفترض أنه لم يعد لديهم أسرى”.
هاوزنر: “(قلت في توجيه سابق لنا) إنه أُسر منا أسرى في معارك السويس″.
اليعيزر: “اعتقدنا ذلك وربما قتلوهم”.
إن قضية الدعاوى المتبادلة بشأن قتل الأسرى من الجانبين في حروب اسرائيل لم تُبحث بتوسع في توجيهات لجنة الخارجية والامن. وقد اعترف ضباط في الجيش المصري بعد حرب يوم الغفران بأن جنودا من الجيش الاسرائيلي قُتلوا بعد أن كفوا عن القتال واستسلموا، لكنهم زعموا أن ذلك كان انتقاما لقتل أسرى مصريين في حروب سابقة.
سعى الجيش الاسرائيلي الى تبادل سريع للأسرى في الجبهتين، لكنه أُجيب بالموافقة فقط في اطار موافقة الرئيس المصري أنور السادات على المخطط الذي اقترحه وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر. وشُمل التبادل في اتفاق تثبيت وقف اطلاق النار وتحريك مسيرة أوسع للفصل بين القوات ولصب مضمون سياسي في الاتصالات، ولم تعتمد على حماسة مصرية لاعادة فورية لآلاف الأسرى الذين وقعوا في يد الجيش الاسرائيلي، وبخلاف الأمل الاسرائيلي كان قليلون منهم فقط ضباطا كبارا أو أبناء عائلات مقربة من النظام. في 24 تشرين الاول قُبيل وقف اطلاق النار الثاني المُلزم في الجبهة المصرية قال ديان: “ما زلنا نأخذ أسرى الآن. فقد أخذنا اليوم مئات الأسرى أو آلافا منهم”. وأضاف اللواء رحبعام (غادي) زئيفي: “إن الانطباع (في هيئة القيادة العامة) هو من الاستماع الى شبكات الاتصال. فعلى سبيل المثال سأل قائد من القوات في جهاز الاتصال قائده يوجد آلاف فكم أسيرا نأخذ؟ فقال القائد خُذ 1500. فأخذ الأسرى متعب”.
ديان: “نحن اليوم وغدا في هذه المنطقة في مرحلة قتال وحينما يرفعون أيديهم استسلاما نصبح في مرحلة أخذ أسرى. ولهذا لا يمكن أن يُقال الآن لماذا لا تتبادلون الأسرى”.
في كانون الاول 1973 في جواب عن سؤال في لجنة الخارجية والامن هل طرد الجيش الاسرائيلي مواطنين مصريين من مدينة السويس، قال اليعيزر: “كان في المنطقة نحو من 6 آلاف شخص. وتقول تقاريرنا إنه ترك منهم 4 آلاف الى 4500 وتقول تقديراتنا إنه ما زال يوجد هناك نحو من 1500. وقد ترك عدد من السكان للخوف من تجدد القتال وبسبب مشكلات ماء وجفاف قناة الماء العذب. ولم توجد سياسة طرد حتى ولا أمر طرد. فاذا حدث على الارض طرد هنا أو هناك فربما وقع لكنني لا أعلم”.
( المصدر : هآرتس 25/9/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews