تركيا مرتبكة وإيران خائفة وموسكو وواشنطن ابتلعتا المنطقة

لا نريد أن نصدق تقارير إسرائيلية قالت إن التحول الأمريكي في سوريا تجاه تركيا يعود لمعركة الباب التي استمرت شهورا ، مما دفع العسكريين الأمريكيين إلى إقناع ترامب بأنه لا يمكن الإعتماد على الجيش التركي . 

إلا أن ما لم تقله التقارير المذكورة هو أن الأتراك لم يفعلوا بمدينة الباب ما تفعله الطائرات الأمريكية  ووحدات الحماية الكردية من تدمير شامل  رغم احتدام المعارك في المدينة لأكثر من أربعة  شهور متواصلة تكبد الجيش التركي فيها خسائر فادحة ، ناهيك عن أن  المقاتلين الذين اعتمد عليهم أردوغان لم يكونوا في الحقيقة سوى مرتزقة يبحثون عن رواتب وامتيازات ، رغم أنهم سوريون .

تقارير نشرت مؤخرا قالت : إن كثيرا من الذين كانوا يقاتلون في صفوف المعارضة السورية في المناطق التي استسلمت للنظام وفق تفاهمات ، التحقوا في صفوف قوات الأسد بل وفي صفوف المخابرات الجوية التي نكلت بالشعب السوري طوال أربعين عاما ، ومن هنا تأتي المفارقة : فالأكراد الذين تعتمد عليهم وتثق بهم العسكرية الأمريكية يقاتلون لهدف عقدي يرسم دولة كردية في الشمال السوري ، بينما يبحث كثير من الملتحقين بقوات درع الفرات عن السلامة .

كل ما ذكرناه مجرد هوامش مساعدة لمحاولة فهم توغل آليات عسكرية أمريكية في مدينة منبج وهي ترفع علم الولايات المتحدة .

 القضة هنا  رسالة للأتراك بأن أمريكا تحمي حلفاءهم الكرد، وهو ما لم يكن يخطر على بال  أردوغان  الذي كان يأمل بأن تكون الإدارة أمركية الجديدة أكثر فهما وتفهما لطبيعة المعركة وأهدافها من قبل كل الأطراف .

ترامب المتحمس لإبعاد الإيرانيين والميليشيات الشيعية من سوريا لم يعلن هذا الهدف لسواد عيون العرب أو السوريين أو الأتراك ، بل لصالح الولايات المتحدة ذاتها التي لم تعد تخفي أن تواجدا  عسكريا لها  في سوريا هو تحصيل حاصل  ، أما التواجد الأكبر والأكثر والأهم فسيكون في العراق لأن الثمن الذي  دفعته الولايات المتحدة في هذا البلد ماليا وبشريا لن يذهب هدرا ، ومن أجل ذلك فإن إعادة احتلال هذا البلد بصورة غير مباشرة ووضع   ثرواتها في السلة الأمريكية  لا يمكن أن تتم إلا بقص أجنحة إيران وميليشياتها سواء في سوريا أم العراق وهذا هو السبب الحقيقي للحماس الأمريكي بهذا الإتجاه ، دون أن ننسى بأن ترامب حدد الخسارة الأمريكية في العراق جراء الإحتلال بثلاثة تريليونات دولار  ويقاس على الإيرانيين ما يقاس على الأتراك في العراق وسوريا مع اختلاف الأهمية وعلى رأسها أن الجيش التركي هو الثاني في حلف الناتو ، فالمصلحة الأمريكية هي الأهم والتنسيق مستمر مع الروس في جميع الملفات في هذين البلدين وإن قال محللون بغير ذلك .

لقد خسر أردوغان حليفا قويا له يسمى مايكل بلين ، مستشار ترامب السابق للأمن القومي والذي كان مدافعا قويا عن مواقف أنقرة في سوريا ، والذي بغيابه بات أردوغان غريبا على ترامب والبيت الأبيض وفي مواجهة خصومه الأمريكيين في المؤسسة الأمريكية الأمنية والعسكرية اللتين يتهمهما بالوقوف وراء الإنقلاب عليه  .

كما وأنه لا  يجوز أن  يغيب عن البال أن زيارة أردوغان الأخيرة  لموسكو هي في المحصلة زيارة عادية لم ينتج عنها تعهد روسي بعدم إقامة دولة كردية في سوريا كما طلب أردوغان ، فبوتين ، وبعد كل هذا المجد الذي حققه في المنطقة والعام لم يعد يرى في تركيا سوى شريك استراتيجي " اقتصادي " في الوقت الراهن في انتظار أية تطورات حقيقية في العلاقات التركية - الأمريكية   ، أما السياسة فتحددها مصالح بلده مع واشنطن  ، وما على الأطراف الصغيرة الأخرى ، باستثناء إسرائيل إلا خلع شوكها بيديها ليظهر مشهد كبير عناصره : دولة إيرانية خائفة ومرعوبة رغم كل جعجعات قائد حرسها الثوري ، ودولة تركية لم تعرف على أي الجبهات تسلط تركيزها ، ودولة عراقية بدون دولة ، ودولة سورية بلا جغرافيا ولا سيادة ، ومن هنا تجيء كل هذه المواقف المتناقضة لمختلف الاطراف في منطقة يرسم مستقبلها أعداؤها الكبار ، أما دولها وشعوبها في عيون أعدائها  فليسوا سوى أرقام ..

 أرقام باهتة صغيرة بدون أي قيمة ، ولا " هيبة "    .

د.فطين البداد