سقوط حلب وتدمر ومفاوضات كازاخستان
لا أظن أن موسكو ، تعتقد بأن دعوتها المعارضة السورية إلى كازاخستان من شأنه أن ينجح المفاوضات بين الأخيرة وبين النظام ، إذ انطلق الروس من وهم أن الحرب انتهت ، وإن الأمر بات ناضجا للعب على حبال السياسة العقيمة ، انطلاقا من واقع الترحيب الذي أطلقته المعارضة السياسية من تركيا التي أملت بأن " يكون الجانب الروسي محايدا " في هذه المفاوضات ، وفق ما قال أحد رموزها ، وهي إشارات تلقتها موسكو من أنقرة قبل طرح مبادرتها " الكاذبة " فلماذا إذن طرحت روسيا مبادرتها ؟.
فات من يعتقد بعكس ما قلناه بأن الإنتصار الذي حققه الروس والنظام والإيرانيون وحزب الله والنجباء وغيرهم في حلب ليس سوى انتصار تكتيتي وليس استراتيجيا ، ذلك أن الدعوة الروسية تنطلق أصلا من هذه الحقيقة وإلا لما كانت المعارضة المسلحة " الإرهابية " جزءا من المدعوين ضمن وفد يشكله الأتراك ، والأتراك يدعمون ، كما هو واضح ، معارضة مسلحة هي غير معارضة مناع أو المعارضة " الروسية " المحسوبة على النظام والتي سبق وأن عقدت اجتماعات في موسكو أكثر من مرة .
مفاوضات كازاخستان الموعودة ، إن عقدت ، ليست سوى مناورة روسية تكتيكية دبلوماسية لتحسين صورة موسكو بعد مجازر حلب ، ولسوف تخرج هذه المبادرة المنفردة إن قدر لها الإنعقاد كما خرجت به قريناتها في جنيف وفي سواها .
لقد أريد لسقوط حلب أن يكون إعلان نصر للحلف الروسي الإيراني ، وهي كذبة انطلت على رئيس النظام السوري الذي تحدث مزهوا عن إعادة كتابة التاريخ ، تاريخ النصر ، على اعتبار أنه جزء من هذا الإنتصار ، مع أنه لم يكن سوى ذيل وتابع ومغفل لا يدرك بأن التخلص منه من قبل حلفائه بات قاب قوسين أو أدنى وبنفس طريقته مع إسرائيل التي قصفت المزة قبل أيام ، أي " في الزمان والمكان المناسبين " .
سقطت حلب ، نعم ، وتوقعنا سقوطها أكثر من مرة ، ولكن هل انتهى الأمر هنا ، أم لا زال هناك جذوة تحت الرماد .
بالأمس القريب ، عندما كانت الميليشيات الشيعية تقرع الدفوف ابتهاجا بقرب انتهاء معركة حلب ، أعلن تنظيم داعش الإرهابي انضمام المئات من السوريين في منطقة الحجر الأسود في دمشق إليه ومبايعتهم خليفته المزعوم ، وأيا كان الأمر ، فإن إعادة احتلال تدمر له أكثر من معنى بغض النظر هل سيستمر هذا الإحتلال أم لا ، وهي حقيقة تقول : إن انتصارا هنا تقابله هزيمة هناك ، بل إن تقريرا لمواقع إسرائيلية عبرية اعتبرت سقوط تدمر هزيمة لقوات النخبة الروسية التي تقاتل في سوريا ولسلاح الجو ولوزارة الدفاع في موسكو ، وإن استسلام مقاتلين في حلب ، أو قبولهم الخروج يقابله انضمام العشرات للتنظيم المتطرف ، أما إذا تم القضاء عليه فإن دواعش أخرى في طريقها إلى الظهور أكثر تطرفا وأشد ترهيبا ، وهو ما قالته مادلين اولبرايت ، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ، عندما تحدثت في تقرير أمريكي بواسطة مسؤولين سابقين عما يجري في الشرق الأوسط ، عن أنه بغير حل عادل للوضع في سوريا فإن داعش ستقوى ، وكل ما قلناه لا نعني به التنظيم الإرهابي بحد ذاته ، بقدر ما نعني أن معركة حلب ، حتى وإن عممت على مدن أخرى ، فإن هذا لا يعني انتهاء الحرب .
وكما يبدو ، فإن الروس يريدون الإستئثار بالملف السوري ، وهو ما تعنيه مفاوضات كازاخستان الصورية في أحد جوانب أهدافها ، وهذا يعني إبعاد الأمريكيين والغرب كلية عن هذا الملف ، وهذا أمر مستحيل في الواقع ، وفي نفس الوقت إعلام الإيرانيين بأن خريطتهم الموعودة لن تتم إلا بموافقة موسكو ومباركتها وضمن مصالحها أولا ،بصرف النظر عن الحلف الإستراتيجي بين الطرفين ، فنحن هنا أمام مصالح وليس خططا للوصول إلى أهداف مشتركة ، وهو ما يفسر ظهور قاسم سليماني في حلب في رسالة إلى الروس بثها الإيرانيون السبت تقول : إنكم في السماء ونحن الذين على الأرض ، دون أن تعني هذه الرسائل المتبادلة أنه تم اهتزاز الحلف الروسي الإيراني بأي شكل من الأشكال ، وهذا بالذات ما يفسر اندلاق الأتراك في الحضن الروسي واختيار بوتين لأردوغان كشريك مفاوض ينوب عن الولايات المتحدة والغرب ، بعد تعهد الأخير بإخراج " المسلحين " وفق الوصف الروسي ، وأيضا يفسر عدم الرد التركي على قصف مواقع جيشها شمال سوريا ، بعد تعهدات روسية ، وهو القصف الذي اتهمت فيه أنقره الجانب الإيراني .
وكما قلنا ، فإن كل المعطيات تقول : بأن سوريا لن تهدأ ، ولن تعود أبدا لسابق عهدها ، وكل ما يشاع بهذا الصدد ليس سوى تحطيب بليل ، فلقد بات الأمر جليا : فالعراق وسوريا صنوان لا يفترقان ، والتقسيم سيشملهما معا ، بل إن هناك خرائط تمت مباركتها ويتم الحديث راهنا عنها ضمن مساحة واحدة تشمل العراق وسوريا ، وضمن هذه المساحة ستوضع الخطوط وترسم الخرائط ، ما يعني بأن حلب ليست سوى جسر صغير للعبور إلى تقسيم عظيم قد لا تتوقف تداعياته لعدة عقود قادمة .
فكما أن مؤتمر كازخستان الموعود هو للضحك على الذقون ، ولما فيه أصلا من مثالب ، فإن اللقاء الثلاثي الذي سيجمع تركيا وإيران وروسيا في موسكو قبيل نهاية هذا الشهر ، لن يجسر الهوة السحيقة التي أحدثتها الأزمة السورية في العلاقات التركية الإيرانية ، وهي علاقات مرشحة للتدهور في قادم الأيام ، والجميع بلا استثناء يزيح النار باتجاه قُرْصِه .
باختصار :
ما جرى في حلب ليس النهاية ، بل هو البداية لما هو أدهى وأمر وأشد وأنكى .
وأختم بسؤال للعرب :
ماذا أنتم فاعلون ؟ .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews