مشكلة تونس في ازمة الحزب الحاكم
جي بي سي - من الواضح ان حزب النهضة برئاسة الشيخ راشد الغنوشي قد نجح في لجم اندفاعة حزب المؤتمر من اجل الجمهورية بزعامة الدكتور المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية، ويتضح ذلك من تراجعه عن سحب وزرائه من الحكومة ورفضه لخطوة السيد حمادي الجبالي رئيس الوزراء وامين عام حزب النهضة بتشكيل حكومة غير حزبية من التكنوقراط خلفا للحكومة الحالية المتهمة بالعجز عن اداء مهامها على الشكل المطلوب.
تراجع حزب المؤتمر عن سحب وزرائه، والتنازل عن شرطيه للبقاء في الحكومة الحالية اي ابعاد وزيري الخارجية والعدل منها، وترحيبه بحكومة التكنوقراط في الوقت نفسه، ربما يكون قد ادى الى تخفيف حدة الازمة التي تعصف بتونس حاليا، ولكن هذا لا يعني انها في طريقها الى الانتهاء بالسرعة المطلوبة.
المشكلة الاساسية تكمن في رأينا بحال الانقسام الحالية داخل حزب النهضة الحاكم وليس في الترويكا الثلاثية، وبالتحديد بين رأسي الحزب اي عميده ومؤسسه الشيخ راشد الغنوشي من ناحية والسيد الجبالي امينه العام ورئيس الوزراء، والجناح المؤيد له، وطالما بقي هذا الشرخ على حاله فان الازمة قد تدخل في مجالات اكثر تعقيدا.
السيد الجبالي الذي قضى في السجن قرابة عقد ونصف العقد ما زال متمسكا بقراره تشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات التونسية المتعددة. بعيدا عن المحاصصات الحزبية التي شلت فاعلية الحكومة الحالية وساهمت في وضع العصي في دواليبها، مما ادى الى فشلها في تحقيق اهدافها، ومعالجة الازمتين الاقتصادية والخدمية وتفرعاتهما على وجه الخصوص.
الشيخ راشد الغنوشي يريد استمرار الحكومة الحزبية الحالية للحفاظ على الترويكا الحاكمة، والخلطة الفريدة من نوعها التي تضم تحالفا بين الاسلاميين والعلمانيين، لان تشكيل حكومة غير حزبية قد يؤدي الى انفراط هذا التحالف من اساسه وادخال البلاد في دوامة الفراغ الحكومي، الامر الذي سيؤدي الى تفاقم الازمة بدلا من تطويقها واحتوائها.
حزب المؤتمر اضطر الى التراجع عن مواقفه التي ساهمت في خلق هذه الازمة بطريقة او باخرى وابقى وزراءه في الحكومة، لان الزعيم راشد الغنوشي اوضح للدكتور المرزوقي ان سحب الوزراء الثلاثة في الحكومة سيؤدي حتما الى سحب منصب الرئيس من الحزب وزعيمه، ولا نعتقد ان الدكتور المرزوقي يمكن ان يضحي بالرئاسة بمثل هذه السهولة بعد ان حصل عليها بعد مساومات شرسة.
السؤال الآن هو كيفية الخروج من هذه الازمة باقل قدر من الخسائر، وبما يبقي على الحكومة والترويكا الثلاثية الحاكمة في الوقت نفسه؟
من الصعب ايجاد حل سريع لهذه الازمة، خاصة في ظل استمرار الاحتجاجات في الشارع التونسي، وهي التي تفجرت وازدادت حدة منذ اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، وطالما استمر الخلاف بين جناحي حزب النهضة واصرار كل طرف على موقفه فيما يتعلق بالحكومة الحالية من حيث بقاؤها او استبدالها بحكومة غير حزبية، فان هناك اتجاها واحدا للازمة وهو التفاقم.
ولا يمكن في ظل تنامي الازمة داخل الحزب الحاكم نسيان كتلتين اساسيتين، الاولى انصار النظام السابق الذين يعملون، وان كان من خلف ستار، لتعميق الخلافات وافشال الحكومة والثورة معا، والتيار الليبرالي اليساري العلماني الذي ينتهز كل فرصة ممكنة للتعبير عن استيائه ورفضه لاداء الحكومة الحالية ويتطلع الى عملية تغيير جذرية تحت عنوان تصحيح مسيرة الثورة.
مرة اخرى نقول ان العناد، وتمسك جناحي حزب النهضة بموقفيهما هو اساس المشكلة، واذا كان حزب المؤتمر قد تراجع عن موقفه المتمرد على الحكومة نتيجة لضغوط الشيخ راشد الغنوشي، فانه بالاحرى ان يتنازل بالقدر نفسه قطبا الحزب الحاكم المتنازعان، والا فان البلاد مهددة بفراغ حكومي يؤدي الى فراغ سياسي وربما فوضى دموية.
تونس تحتاج الى العقلاء والحكماء للتدخل لمعالجة الخلل واصلاح ذات البين بين ابناء الحزب الواحد والوطن الواحد والا فان النتائج ستكون كارثية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. ( القدس العربي )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews