الإتفاق الأمريكي الروسي ولماذا قصفت أمريكا مواقع النظام ؟
أشفق على من لا زال يعول على حلول سياسية في سوريا ، بعد انفضاح الحلف الأمني- السياسي - العسكري بين واشنطن وموسكو ، وبرغم كل ذلك ، فإن اللعب في الإعلام جائز ، ومن حق بوتين أن يخرج على الملأ مطالبا الولايات المتحدة بنشر الإتفاق الذي تم التوصل إليه بدءا من حلب ، كما أن السياسة ، المكشوفة والبائسة أيضا ، تبيح لواشنطن الصمت حيال المطالب الروسية .
الإتفاق الروسي الأمريكي للحل في سوريا لا يعدو أن يكون اتفاقا على إنهاء الثورة السورية ، وعدم كشف بنوده السرية لأحد حفاظا على هيبة أمريكا ، ولكن فظاعة و" صياعة " الإتفاق أبت إلا أن يخرج بوتين بالصورة التي خرج بها ، مطالبا واشنطن بكشف المستور الذي اتفق الطرفان على أن يظل مستورا في بعض جوانبه بدءا بوقف إطلاق النار ، وعلى أن يأخذ مباركة مجلس الأمن في جوانب أخرى ، وهو ما لم يحدث أيضا ولأسباب أمريكية هذه المرة ، ولربما يحدث لاحقا ، ولم تفوت واشنطن، أو بالأحرى البنتاجون هذا الخرق الروسي للسرية فأغارت الطائرات الأمريكية على مواقع للنظام ليل الأحد - الإثنين في جبل ثردة في دير الزور في رسالة غاضبة للحليف الروسي لأول مرة ، مما دعا موسكو لاتهام واشنطن بالتواطؤ مع تنظيم الدولة ، بعض النظر عن تسريب خلافات بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع حول التنسيق مع الروس ، وهي حادثة ستمر كزوبعة في فنجان على كل حال .
هناك اتفاقات سرية لا يعرفها الصحفيون والمتابعون ، سبق وكشفها مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا مايك راتبي وكنا شرحنا ذلك في مقال سابق ، وها هو ما قاله راتبي للإئتلاف السوري يتحقق بحذافيره ، بل زيد عليه غرفة عمليات مشتركة وطلعات جوية ثنائية ، فماذا جرى بالضبط لكي لا يمضي الإتفاق الأخير إلى وجهته ؟ .
لقد فات الدولتين بأن ما يخطط له على الورق ليس تماما ما سيحدث على الأرض ، وتناسى الطرفان بأن الأمر لا يتعلق فقط بالمعارضة المسلحة وجبهة فتح الشام وحلب : فهناك على الأرض الأكراد وهناك إيران ومشاريعها وميليشياتها ، وهناك إسرائيل ، وهناك تركيا التي ترغب أمريكا في تهميشها ، ومن المنتظر أن تنفجر العلاقات بينهما في الأيام اللاحقة بعد طرد المعارضة المدعومة من تركيا للقوات الخاصة الأمريكية من مدينة الراعي قبل معاودة السماح لها ولاسباب بين الطرفين أشد وأنكى . .
إن فرح موسكو بإنجاز اتفاق مع واشنطن ، من حيث المبدأ دليل على تشبث الروس بأية قشة تنجيهم من هذا المستنقع ، فالثلاثة شهور التي حددتها موسكو لتدخلها في سوريا مضى عليها أكثر من عام ولم يحدث شيء .
بات بديهيا أن يدرك الجميع بان المؤامرات تتوالى على الثورة السورية ، ولكن هذا البلد الذي انفجرت فيه الصراعات الطائفية والأحقاد والثارات والدماء على يد إيران في العلن وإسرائيل والغرب في الخفاء لن يهدأ بسهوله ، وستتواصل الإستقطابات من هنا وهناك .
إن عودة سوريا كما كانت عليه قبل الثورة أمر مستحيل ، طالما أن الأصابع الشوهاء لا زالت تلعب في السر والعلن ، ولا نبالغ إذا قلنا بأن ما تسرب من الإتفاق الروسي الأمريكي ليس سوى رماد يذر في العيون للتعمية على ما هو أهم وأخطر ، وهو التقسيم الذي بات حقيقة على الأرض لا يجادل فيها إلا أعمى .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews