راتني والمعارضة وتركيا وما ينتظر القضية السورية

ما كشفته مصادر في الإئتلاف السوري قبل أيام عن تلقي الإئتلاف من الجانب الأمريكي ثلاث رسائل خطيرة خلال الإجتماع الذي ترأسه في واشنطن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا مايكل راتني ومعه من الجانب الأمريكي ثلاثة دبلوماسيين أمريكيين ، ومن جانب الإئتلاف السوري رئيس الإئتلاف ونائبته وأعضاء الهيئة السياسية، أقول : ما تم كشفه يؤكد ما ذهبنا إليه في أكثر من مقال، من أن الأمريكيين متحالفون مع الروس والإيرانيين في الملف السوري ، على حساب سوريا وشعبها وقضيتها ، وفي ملفاتا المنطقة الساخنة .

فقد تلخصت الرسائل التحذيرية الثلاث بالتالي :

1 - : على الإئتلاف والمعارضة الإتصال والتنسيق مع الروس " لأن بيدهم الحل " .

2 - : الإتصال مع صالح مسلم ، زعيم وحدات الحماية الكردية التي هي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي .

3 - : التخلي عن جبهة النصرة " فتح الشام " ولا يجب أن تتصدر هذه الجبهة الواجهات السياسية والإعلامية والميدانية لمعركة حلب .

كما وأن راتني أبلغ الإئتلاف بأن الروس مصرون على بقاء بشار الأسد في السلطة " كي لا يحدث لسوريا ما حدث لليبيا بعد القذافي " .

وقال للإئتلاف : قلنا للروس إننا نريد نهاية للحرب ، فأجابوا بأنهم يريدون شرعية لبشار الأسد .

أضاف: إن الروس ينظرون إليكم كإرهابيين ومجانين ، وإن كيري وأنا أجبناهم بأننا نتحاور معكم ، فقالوا : إذا لماذا لا يأتون إلينا ويتحاورون معنا ؟؟ .

وفي ما يشبه التنبيه ، قال للإئتلاف : لقد أدى تواصلنا مع الروس إلى تبريد ملفات كثيرة ، ولولا حديثنا معهم لسحق الروس المعارضة المسلحة وهم قادرون على ذلك ، وفق قوله .

ولنقرأ أيضا ،هذه العبارات التي قالها راتني لإئتلاف ، وهي تكشف حقيقة الموقف الأمريكي كله ، حيث قال : هناك فرق بيننا وبين الروس ، هم مستعدون لفعل كل شيء من أجل نظام الأسد ، أما نحن فلسنا على استعداد أن نفعل معكم نفس الشيء " .

ولتخويف المعارضة ، أطلق راتني تحذيرا لرئيس الإئتلاف وقيادته بقوله : إن الحرب في سوريا استمرت خمس سنوات ، ومن الممكن أن تستمر طويلا : "إن الصراع السوري سيستمر لعشرين سنة إذا لم تغير المعارضة نهجها " .

وأضاف قائلا : لم نجد شركاء لنا في الجيش الحر ، الجيش الحر يريد قتال الأسد بالتزامن مع قتال داعش ، ونحن غير مستعدين لقتال الأسد .

وأضاف : كنا نريد شركاء على الأرض فلم نجد ، واهتدينا إلى وحدات الحماية الكردية ، وهم شريك قوي وننصحكم بالحديث معهم ، وليس قتالهم " قالها محذرا بطريقة دبلوماسية ".

ما قاله مايكل راتني خلف الأبواب المغلقة ، وما أكد عليه الإئتلاف ونشره موقع كلنا شركاء يناقض تماما كل ما تقوله الولايات المتحدة في العلن عن سوريا ، وينسف ما تستمر بتأكيده عن أنها لا تتوافق مع الروس في القضية السورية ، بينما يقول واقع الحال :إن التوافق والتنسيق بين الطرفين في سوريا مستمر منذ سنوات .

ومن أجل ذلك ، فإنه يصبح منطقيا الجزم بأن هذا الموقف الأمريكي الذي لم يعد محط شك تجاه سوريا ، والتزام واشنطن بحكم ذاتي للأكراد في الشمال وتخليها عن الحلفاء العرب في الملف السوري وغيره وإن ظهر بعضه لاحقا ( سحبت أمريكا مؤخرا خبراءها من غرفة العمليات المشتركة في اليمن تواطؤا مع الحوثيين والقنصل الروسي في صنعاء اعترف بمجلس صالح - الحوثي قبل أن ينفي نائب وزير الخاريجة الروسي الأمر نفيا متأخرا في جدة ) ، وما وقع في أنقرة من محاولة انقلاب فاشلة ، وإطلاق يد حزب العمال للقيام بعمليات دموية في المدن التركية ، ومظاهرات العلويين في الأسكندرون ، والمعارضة العلمانية والقومية في المدن الرئيسية ،وتأثر الإقتصاد ، كل ذلك دفع الحزب التركي الحاكم للقيام بخطوات تقارب مع الروس ، وعلينا أن نتذكر بأن الإعتذار التركي للروس سبق الإنقلاب وهو ما أغضب الأمريكيين .

وبهذه التسريبات من اجتماع واشنطن تتضح الصورة أكثر ، وتظهر ملامح الحلف الخفي بين واشنطن وموسكو وطهران في ملفات المنطقة الساخنة الأخرى ، وفي سياقها تفسر الغارات الروسية الأخيرة على حلب ، وإطلاق الصواريخ يوم السبت لأول مرة ، من سفن في المتوسط ، وإعلان الحرس الثوري الجمعة عن تشكيل ما أطلق عليه " جيش التحرير الشيعي " وهو جيش مكون من مئات آلاف الشيعة من غير الإيرانيين ولكن بقيادتهم للعمل في سوريا والعراق واليمن ، كما قال الحرس الثوري نفسه .

أمام هذا كله ، ولأن خير الكلام ما قل ودل ، وبعد أن انكشفت جميع الأوراق وبات الثوار في سوريا في مهب العاصفة الروسية والإيرانية والآن الأمريكية ، فإن أمامهم خيارين لا ثالث لهما .. سنذكرهما بعد قليل ، بعد أن نتذكر بأن المعارضة في قبضة الأتراك وقبضة العرب ، ومن هنا جاء تصريح يلدريم بأن أنقرة وطهران وموسكو ودول الخليج بإمكانها أن تجد حلا سياسيا في سوريا ، ولأن المعارضة كذلك ، وقادتها في اسطنبول وفي الرياض وغيرها ولأن الفصائل السورية الكبرى معبأة ومسلحة من هذا المحور ، وهو أمر معروف ، فإن ضغطا على المعارضة ، وخاصة المسلحة منها سنشاهده عبر الأسابيع القادمة ، حيث ستضطر الفصائل المحسوبة على بعض الدول للتنصل من جبهة فتح الشام " جبهة النصرة " وهذا مطلب أمريكي روسي ، مما سينتج عنه معارك داخلية بين الثوار وبين الجبهة ، وليس مستبعدا أن تساند الفصائل السورية المسلحة المصنفة " معتدلة" في معاركها طائرات روسية وأمريكية للقضاء على النصرة وداعش معا ، وليس الأمر مستغربا أبدا ، فقد كانت الولايات المتحدة تتهم حكومة طرابلس في ليبيا بأنها حكومة إخوانية وحكومة أصوليين متطرفين وها هي الآن تدافع عن حكومة السراج وتقاتل إلى جانب قوات البنيان المرصوص في سرت ، وكما قلنا : إنها المصالح ، والتراجع التركي بموجب ظروف تركيا سيكون له انعكاس سلبي على الثورة ، والقضية السورية من جهة أهداف الثورة ، وإيجابي على النظام وحلفائه .

أمام ذلك كله ، وغيره ممن لم يتسع المقال لذكره ، فإني أعود واقول : إن أمام الثوار ، طريقين لا ثالث لهما : إما الإنتحار ، أو الإنتصار .

الإنتحار ، إن وقع القتال بين الثوار أنفسهم ، والإنتصار ، إن ظل الثوار على أهداف الثورة التي قتل لأجلها مئات الآلاف وشرد الملايين .

ولكن : من يضمن هذه الأخيرة ؟ .

د. فطين البداد 

fateen@jbcgroup.tv