هل حياة أردوغان في خطر ؟
لا يستغرب مطلعون ومتابعون هذا التنائي في العلاقات التركية الأمريكية عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة التي وقعت في أنقرة في الخامس عشر من تموز الفائت .
فلقد مرت العلاقات بين الطرفين بمحطات شد وجذب ، تخللها فترات توتر وتحذيرات متبادلة حتى قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2002 .
وإذا مررنا سريعا في بعض المحطات الحديثة ، فإن أول ما يطل برأسه ما عرف بالأزمة القبرصية ، حينما اجتاحت القوات التركية شمال الجزيرة في العام 1974 وإعلان جمهورية شمال قبرص في الخامس عشر من تشرين ثاني نوفمبر من عام 1983( نشأت فعليا على الأرض في العام 1975 ) حيث وقع ذلك رغم التحذيرات الأمريكية ، مما أفضى إلى قرار أمريكي بمنع توريد الأسلحة إلى تركيا رغم عضويتها في حلف الاطلسي منذ العام 1952 ، حيث استمر البرود في العلاقات خارج النطاق الإستراتيجي إلى العام 1981 ، بعد أن أودى انقلاب عسكري وقع في العام 1980 بقيادة كنعان إيفرن بحكومة كانت محسوبة على جناح سياسي لا ترغبه الولايات المتحدة ، ومنذ ذلك الحين كانت واشنطن هي الآمر الناهي في بلد مهم جدا يقف على البوابة الجنوبية للحلف في أوج الصراع الغربي السوفييتي آنذاك.
غير أن شهر العسل بين الطرفين سرعان ما تغير مذاقه عقب فوز حزب العدالة والتنمية ، وكانت أولى محطات التوتر هو منع الحزب الحاكم للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية منطلقا في غزو العراق في العام 2003 ، وذلك عقب تصويت برلماني ، ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقات تأخذ شكل المد والجزر والشك المتبادل ، حتى وصل لدرجة اتخاذ أنقرة قرارا بالتصويت في مجلس الأمن ضد قرار أمريكي بفرض عقوبات على إيران في الشهر الخامس من عام 2010 ، واستمرارا في اتخاذ قرارات بعيدة عن الحليف العسكري وشركائه في أوروبا ، وثق التاريخ شراء حكومة حزب العدالة والتنمية لأنظمة دفاع صينية ، لأول مرة في قرار تتخذه دولة مهمة في حلف كبير يضم أعتى منتجي أنظمة الدفاع في العالم ، ومن هنا بدأت الإنتقادات الأمريكية العلنية تتوالى لما تقول إنه قمع للقوى الديمقراطية في البلاد ، بينما تقول في الخفاء إن حزب العدالة يريد أسلمة الدولة ، وهو ما ينفيه الحزب ويمارسه عبر عدم سن قوانين توحي بهذا الإتجاه ، باستثناء ما يتعلق بالحريات الشخصية ومحاسبة العسكر وإبعاد الجيش عن السياسة على حد ما يقول مسؤولوه ، وليكون عدم تدخل واشنطن لحماية المدنيين السوريين من الأسد ورفض الولايات المتحدة إنشاء مناطق آمنة ، وعدم اتخاذ واشنطن أية إجراءات لما تقول أنقرة إنه تحول غير ديمقراطي جرى في مصر .. ليكون كل ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير من حيث الثقة بين الطرفين ، ليبلغ الأمر لما نحن فيه الآن من اتهام تركي لواشنطن بالضلوع في الإنقلاب ونفي الأخيرة ذلك أكثر من مرة ، وإرسالها قائد الجيش الامريكي ، ومؤخرا جو بايدن نائب أوباما الذي سيصل في الثلث الأخير من آب الحالي .
وعلى ضوء كل ذلك ، فإن ما يقلق الغرب الآن ، هو أن تقع تركيا في الحضن الروسي ، ومن أجل هذا ، ولأهمية هذا البلد ، فإن كل الإحتمالات مفتوحة ، فرجل من طراز أردوغان ، وفق الغرب ، قادر على أن يفعل ما يريد بعد أن استقوى بالشعب التركي وبات الزعيم الأوحد في الدولة ، ولكن طموح أردوغان ، هو أن يتعامل العالم مع بلده تعامل الند للند ، وهو ما كان يزعج الغرب ، غير أن بوتين أدرك ذلك فاستقبل " السلطان " باحترام ، وهو يعمل الآن على ترجمة التقارب من خلال تشكيل لجان عسكرية وأمنية بين البلدين ،بل إن بوتين ذهب أبعد مسافة حين قال " إن الطرفين سيناقشان الوضع السوري بما يخدم مصالح كل الاطراف " وهي لغة جديدة اقلقت الغرب الذي سارع عبر وزارة الخارجية الأمريكية إلى تأكيد أهمية العلاقات بين الطرفين ، وتأكيد حلف الأطلسي- من ثم - أن تركيا مهمة جدا للحلف وهي ركن أساس فيه ، مما جعل أردوعان في وضع قوي ، بعد أن خاض حربه مع الروس وحيدا رغم عضويته في حلف لم يقدم له الحماية الكافية أمام التهديدات والإجراءات الروسية التي منعت الطيران التركي من التحليق والإكتفاء بالمدفعية لقصف مواقع الوحدات الكردية ومواقع " داعش " .
إلى اين يمكن أن يصل التوتر بين أنقرة وواشنطن ، والغرب عموما ـ إذا انتهج أردوغان سياسة أقرب بكثير مع الروس على حساب حدود الناتو الجنوبية ؟؟ .
إنها المصالح ، فبها وبحجمها وبمفاضلتها يمكن الإجابة عن مثل هذا السؤال الكبير .
لقد نجا أردوغان من الإغتيال في المحاولة الإنقلابية الفاشلة ، ولكن : هل في كل مرة ستسلم الجرة .؟ .
نعود بذاكرتنا إلى يوم الثاني والعشرين من تشرين ثاني من العام 1963 ، فمنذ ذلك اليوم ولغاية الآن ، فإنه ما من أحد قال لنا : من اغتال جون كندي .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews