المبادرة الفرنسية : سرداب باريس وسرداب سامراء
إذا كان نتنياهو قد رد على المبادرة الفرنسية بإدخال المعتوه ليبيرمان إلى حكومته كوزير للدفاع ، فإن مكتوب المبادرة قرئ من عنوانه كما يقال ، حيث إن ثلاثين وزير خارجية حضروا المؤتمر ، لن يكونوا أكثر قوة ولا نفوذا ممن حضر مؤتمر مدريد ، بداية التسعينات الذي ثبت أنه لم يكن سوى ضحك على الذقون وذر للرماد في العيون ، بما نتج عنه من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية ليس في فلسطين والعراق فحسب ، بل في طول البلاد العربية وعرضها .
وإذا سألنا عن سبب الإهتمام الفرنسي خاصة والأوروبي عامة بالقضية الفلسطينية هذ1 الأوان ، فإن نظرة سريعة في المنطقة وواقعها وحروبها ولاجئيها من عابري البحار كفيل بالإجابة عن هذا السؤال ، كما وإن ضعف العرب أمام إسرائيل خلق لها فرصة تاريخية للتطبيع المجاني بدون أي ثمن سياسي ، قبل الإندلاق العربي الفوري في تطبيع علني " مشروع " .
الخوف من كل هذا الذي يجري ، أن يتم التنازل فلسطينيا " السلطة " وعربيا " الجامعة " عن حق العودة ، وعن القدس : فإذا كانت بعض التسريبات قالت إن هناك شطبا لقضية الجولان من أي مشروع تسوية مع إسرائيل ، بدعوى أنه ليس هناك دولة في سوريا الآن ، فإن اللاجئين الفلسطينيين لا بواكي لهم ، ناهيك عن أن القدس فقدت أغلب بواكيها منذ احتلالها حتى الآن .
وبغض النظر عن المبادرات التي انطلقت بالتزامن مع الدعوة الفرنسية ، أسبابها وأهدافها ، فإن مؤتمر باريس الذي عقد بغياب ممثلين عن السلطة وعن إسرائيل ، مات قبل أن يولد ، ومن أجل ذلك أصبح محط سخرية للمراقبين، لكونه يغرد خارج سرب الواقع الذي يقول : إن إسرائيل ليست في عجلة من أمرها ، فإذا كانت مبادرات " الأرض مقابل السلام " لم ينتج عنها سوى اتفاقية أوسلو التي أصبح الفلسطينيون بموجبها يتظاهرون من أجل الرواتب بدل التظاهر من أجل التحرير ، ووادي عربة الذي لم يستفد منه الأردن شيئا ولم تلتزم به إسرائيل حتى في البنود التي تتعلق بالولاية الأردنية على المقدسات ، وكامب ديفيد الذي لا يسمح للمصريين بإدخال " دجاجة " إلى سيناء إلا بموافقة مسبقة : إذا كان ذلك كذلك ، فإن مبدأ " السلام مقابل السلام " بات لدى نتنياهو ومن يدعمه في الغرب والشرق الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي الأسمى ، وهو ما سيكون في قادم الأيام ، بسبب أن إسرائيل لم تكن في أي وقت من عمرها بأسعد حالا ولا أهدأ بالا منها هذه الأيام ، بفضل إيران التي قدمت لها هدايا لا تعد ولا تحصى : ففي سوريا قدمت حزب الله وأبو الفضل العباس ومتطوعين شيعة من أفغانستان وباكستان وضباطا وأفرادا من الحرس الثوري وفيلق القدس ، وفي العراق قدمت منظمة بدر والعصائب وحزب الله العراقي والخراساني وغيره ، وفي اليمن قدمت الحوثيين الذي تكفلوا بأن تعيش إسرائيل أزهى أيامها ، تتمتع بالحروب المذهبية والطائفية وتقسيم البلدان وتشريد الملايين وهدم المدن وذبح الأمنيات .
مرة أخرى : مبادرة باريس التي صدر بيانها بدون أي توصيات ولا نتائج ، بل ولا حتى تحديد موعد قطعي للمؤتمر الدولي الموعود ، هي مبادرة " ملغومة " علينا أن نقرأها جيدا ، ونقرأ توقيتها ونسبر أغوارها ونعرف خفاياها وخباياها ، إذ لا يجب أن ينسى العرب مئوية سايكس بيكو التي نرى راهنا بوادر تجديدها بعد قرن من توقيعها ، حيث يراد هنا تقسيم المقسم ، وتفتيت المفتت ، وما يجري من أحداث يكشف جسامة المخبوء في " سرداب " باريس الذي ثبت أنه نسخة طبق الأصل عن " سرداب " إيران في سامراء .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews