من الذي حوّل مدينة سرت الى قاعدة انطلاق لتنظيم “الدولة الاسلامية” في ليبيا؟
التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة الامريكية منشغل حاليا في شن حرب ضد “الدولة الاسلامية” في سورية والعراقِ، ولكن التمدد الحقيقي، وربما الاخطر، لهذا التنظيم يتم حاليا في ليبيا التي “حررتها” طائرات حلف “الناتو” قبل خمس اعوام، وارادت بريطانيا وفرنسا وامريكا تحويلها الى جنة اخرى، على غرار جنة “العراق الجديد”.
التقارير الاخبارية القادمة من طرابلس تفيد انه بعد عام من استيلاء هذه “الدولة” على مدينة سرت، تعيش هذه المدينة اجواء من الرعب والقلق بسبب القوانين الصارمة التي تفرضها، وتعدم بمقتضاها عشرات الاشخاص، مثلما قالت شهادات موثقة لبعض سكانها، نشرتها منظمات حقوقية مثل “هيومان رايتس واتش”.
مدينة سرت التي ظلت لمدة اربعة عقود معقلا للعقيد معمر القذافي، باتت “عاصمة” لـ”الدولة الاسلامية” في ليبيا، ومنطلقا لهجماتها وتمددها في الشرق والغرب والجنوب، ومراكز لتدريب المئات، ان لم يكن الآلاف من المتطوعين الليبيين والاجانب، وهي تضم مطارا وميناء بحريا يبعد 300 كليومتر عن الشاطيء الاوروبي الشمالي من البحري الابيض المتوسط.
“الدولة الاسلامية” تطبق في سرت الشريعة الاسلامية بصيغتها “المتشددة” على غرار اماكن اخرى تسيطر عليها في الموصل والرقة، حيث تعدم المثليين، وتجلد المدخنين، وترجم الزناة، رجالا ونساء حتى الموت، وتفرض لباسها الاسلامي المحتشم الفضفاض، كما تفرض اداء الصلاة في مواعيدها على الجميع، دون اي استثناء للاطفال او النساء، وتعدم من تدينهم بجرائم التجسس والردة والسحر والشعوذة واهانة الذات الالهية.
ليبيا تحكمها حاليا ثلاث حكومات، واحدة في الشرق، وثانية في الغرب، وثالثة تحمل اسم حكومة الوفاق، وعشرات الميليشيات المسلحة، والآن نحن امام حكومة رابعة تتوسع، وباتت تسيطر على مدن وقرى وارياف، وتجد الحاضنة الشعبية لها في اوساط المستائين، والمهمشين تماما، مثلما حدث في العراق بعد الغزو الامريكي.
ربما تتحالف الحكومات الليبية في الشرق والغرب ضد “الدولة الاسلامية” وتشن هجوما لاخراجها من مدينة سرت، ولكن استعادة المدينة لن تكون عملية سهلة، بل قمة الدموية، وحتى لو جرى الحاق هزيمة بهذه “الدولة” فانها ستنتقل الى اماكن اخرى في ليبيا، التي تزيد مساحتها عن مليون كيلومتر مربع، وتحولت فعلا الى دولة فاشلة فيها اكثر من 30 مليون قطعة سلاح.
الرئيس الامريكي باراك اوباما اعترف بأن التدخل العسكري لحلف “الناتو” في ليببا بقيادة بلاده كان اكبر خطأ في فترتيه الرئاسيتين، وابدى ندما كبيرا على ارتكابه هذا الخطأ، ولكن ماذا يفيد الندم بعد خراب مالطا.. نأسف.. خراب ليبيا.
(المصدر: رأي اليوم 2016-05-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews