السياحة الإلكترونية هى المخرج
حين قررنا أن ينعقد المؤتمر السابع لاتحاد كتاب إفريقيا وآسيا فى قرية الجونة بالغردقة، كان الهدف هو لفت نظر الأعضاء الذين ينتمون إلى 42 دولة من القارتين الى الإمكانات السياحية الهائلة التى تتمتع بها مصر، وقد عاد ضيوف المؤتمر إلى بلادهم يملؤهم الحزن على ما آلت إليه السياحة المصرية، وهو ما لاموا عليه جهات عديدة كان من بينها مصر ذاتها.
ولا شك فى أن الصورة المشوهة التى دأب الإعلام الدولى على تقديمها عن الوضع فى مصر، كانت فى مقدمة الأسباب التى أدت إلى تراجع معدلات السياحة بشكل لم نشهد له مثيلا من قبل، وقد كان من ضحايا تلك الصورة المشوهة المؤتمر نفسه الذى اعتذر بعض أعضائه عن عدم الحضور بسبب «الوضع فى مصر»، وقد حاولنا جاهدين أن ننقل اليهم الصورة الحقيقية التى لا تدعو إلى أى قلق، فاستجاب بعضهم وآثر البعض الآخر السلامة.
لقد اكتشفنا من خلال الضيوف الذين حضروا من مختلف الدول الإفريقية والآسيوية، والتى لا نتابع ما تنشره أجهزة اعلامهم عن مصر، أن تلك الصورة المشوهة ليست حكرا على بعض الأبواق الصحفية الغربية المنحازة ضد مصر بشكل لا يخفى على أحد، مثل الـ CNN أوصحيفتى «النيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست»، بل هى ظاهرة عالمية امتدت لتشمل بعض الدول التى تعتبر نفسها صديقة لنا. والسبب فى ذلك أن الكثير من هذه الدول يعتمد فى اعلامه على ما تقدمه أجهزة الإعلام الغربية، لأن أجهزة الاعلام فى هذه الدول لا تملك الإمكانات التى تسمح بأن يكون لها مراسلوها الخاصون، وأيضا لأن اعلامنا الخارجى فى حالة من التردى الذى يجعل صوت مصر غائبا تماماً عن الساحة الدولية.
ثم هناك بالطبع ما لا ينبغى تجاهله من شركات العلاقات العامة العالمية الكبرى المتعاقدة مع جماعة الإخوان المسلمين، بعضها بشكل مباشر والبعض الآخر بشكل غير مباشر، والتى تصل حجم تعاقداتها معهم إلى ملايين الدولارات تقوم بعض الدول مثل قطر وتركيا بتسديدها، وحين اتحدث هنا عن شركات العلاقات العامة فأنا أتحدث عن الشركات ذات الإمكانات الكبرى التى مكنتها أثناء اعتصام رابعة العدوية على سبيل المثال من إحضار أحد أعضاء الكونجرس الأمريكى وتصويره تليفزيونيا وسط »المعتصمين المسالمين« الذين أخفوا سلاحهم عن عدسات التصوير التى صاحبت عضو الكونجرس فى زيارته هذه التى شاهدناها على شاشات التلفزيون الأمريكى والتى لم تكن السلطات المصرية تعلم عنها شيئا.
ولكى تحتفظ الصورة المشوهة عن مصر بمصداقيتها فإن هناك من يقوم فى الداخل ببعض الأعمال التخريبية كلما وجد لذلك سبيلا، ولولا هذه الأعمال المتكررة لكانت السياحة قد بدأت تتعافى بعد مضى ما يقرب من سبعة أشهر الآن على حادث الطائرة الروسية التى أصابت السياحة المصرية بضربة قوية مازلنا نعانى منها.
ومع ذلك فإن الوضع الأمنى فى مصر بالتأكيد أقل مدعاة للقلق من بعض الدول الغربية التى تروج صحافتها أن الوضع فى مصر غير مستقر أمنيا، فالإرهاب قد طال الآن جميع الدول، وعلى حسب ما ذكر أبدولاى نديونى مندوب السنغال فى المؤتمر قبل عودته لبلاده، فقد جاء الى مصر وغادرها فى سلام، بينما فى زيارته الأخيرة لفرنسا وقع انفجار هائل فى الحى الملاصق لذلك الذى كان يقع فيه فندقه بباريس.
ولقد كانت الملاحظة السائدة بين جميع الحضور: إن لديكم إمكانات سياحية هائلة لم نكن نعلم عنها شيئا، فبعيدا عن الأهرامات والآثار والمتاحف فى العاصمة فإن ما قدمته لهم الغردقة وهى ليست أهم مدينة سياحية فى مصر، خلب ألبابهم، ما بين النزول بالغواصات تحت سطح البحر لمشاهدة الشعب المرجانية التى تعتبر الأهم فى العالم بعد استراليا، وزيارة متحف الرمال، والخروج فى رحلة الى عرض البحر، وتناول العشاء فى خيمة بالصحراء، وزيارة نادى اليخت ومشاهدة اليخوت من كل الأنواع، الى جانب ارتياد مطاعم بعض أفخم الفنادق بالمقاييس العالمية، وهى الإمكانات التى وفرتها لنا مشكورة إدارة قرية الجونة السياحية ومحافظة البحر الأحمر.
ومع الانبهار بما شاهده الضيوف جاء اللوم الشديد لنا نحن أبناء البلد، فكيف يكون لدينا كل هذه الإمكانات ولا نعلن عنها بالقدر الكافي، خاصة فى هذا الوقت الذى تحتاج فيه مصر إلى كل سائح يختار أن يجيء اليها؟ لقد قال لى يوج باتاك مندوب نيبال: انك لو سألت السائح العادى فى أى دولة فى العالم لماذا يذهب الى مصر، لقالت لك النسبة الأعظم منهم من أجل الأهرامات والآثار القديمة، وستقول لك نسبة أقل من أجل شواطيء شرم الشيخ، لكن قليلين من يعرفون ما تقدمه الغردقة التى تعتبر مدينة سياحية من الدرجة الأولى ينبغى على الجهات السياحية الاهتمام بها أكثر، خاصة بعد ما أصاب شرم الشيخ على أثر حادث الطائرة الروسية.
وهنا يجدر الحديث عن نوعية الدعاية السياحية المطلوبة، فقد مضى عصر الملصقات السياحية التى كانت تعلق فى الشوارع، ودخلنا عصر الدعاية الرقمية التى تتكلف على المدى الطويل أقل بكثير من الدعاية التقليدية مدفوعة الأجر فى الصحف أو فى الشوارع، فقد أصبحت أعداد متزايدة من الناس ترتب الآن رحلاتها السياحية دون الاستعانة بشركات السياحة التى تلتزم بالتعليمات الرسمية لدولها كى تتمكن من عمل بواليص التأمين اللازمة لرحلاتها، وهناك جيل جديد من السائحين يحجز رحلاته السياحية بكل جوانبها، من تذكرة الطيران الى الفنادق الى الجولات السياحية، عن طريق الإنترنت، وهذا النوع من السائحين الذى تأخذ أعداده فى التزايد يوما بعد يوم، لا يلتزم بالضرورة بما تقولة وزارة خارجية بلاده لشركات السياحة، لكنه لكى يقدم على حجز رحلته الى مصر بهذا الشكل، فإن علينا نحن أن نطلعه على ما ينتظره من زيارته لمصر، ونغريه بالإمكانات التى تقدمها مختلف مدننا السياحية والتى لم يكن معظم من حضروا المؤتمر يعرفونها، فمصر قد تكون الدولة الوحيدة فى العالم التى تستطيع أن تقدم للسائح الآثار التى لا مثيل لها بمختلف أنواعها الفرعونية واليونانية الرومانية والقبطية والإسلامية، والمتاحف التى تحوى ما لا تحويه متاحف العالم الأخري، والصحراء الساحرة، والشواطيء الخلابة، وعجائب البحار، والجو المعتدل على مدار العام.
إن عودة السياحة الى مصر أصبحت تعتمد الآن بشكل متزايد على مثل هذه الحملات الدعائية الإلكترونية أكثر مما تعتمد على الجلوس فى انتظار أن تصدر السلطات الرسمية فى مختلف الدول التعليمات الى الشركات السياحية باستئناف رحلاتها إلى مصر.
(المصدر: الأهرام 2016-05-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews