مصطفى بدرالدين
مصادفة لافتة، مكتنزة الدلالات، أن تتحول سوريا مقبرة لمغنية الأب والابن، وبدرالدين، وسمير القنطار، والقيادي الحزبي المعروف علاء البوسنة.
عناوين عدة فكرت فيها لهذه المقالة، الأول هو “مقتل القاتل”، والثاني هو “قصاص رفيق”، والثالث “مقبرة دمشق”. وفي كل عنوان زاوية تقرأ مقتل قائد الجناح العسكري لحزب الله مصطفى بدرالدين قبل أيام.
في 12 فبراير 2008، اغتيل سلف بدرالدين، أي عماد مغنية، في دمشق أيضا، وحين نضع اليوم والبارحة تحت مجهر المقاومة نرى العجاب.
بعد مقتل مغنية، قامت الحكومة السورية، خصوصا عبر وزير خارجيتها وليد المعلم، بتصدر الحدث. وحين أطل أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله خفض رأسه تحت ظل الدولة السورية. ولا أذكر إن أعلن أن حزبه سيشارك في التحقيق، أو سيكون على علم دائم بمستجداته، والمعنيان سيان، فالحزب الإلهي تحت جناح بشار الأسد.
الهزائم تتوالى
أما في حادثة بدرالدين، غابت أصول اللياقة من الطرفين، حزب الله باشر الإعلان، ونقلته وكالة الأنباء السورية بالنص، ولم يتصدر أيّ مسؤول سوري في المشهد، وتجاهل الحزب الإلهي “السيادة” السورية التي يتغنى بها بشار الجعفري ومرجعه المعلم ومرجعهما الأسد، فالحزب هو من سيتولى التحقيق وهو من سيعلن النتائج خلال ساعات. أين هي الدولة السورية التي يزعمها الأسد وبوتين وخامنئي وعبدالفتاح السيسي؟ الله أعلم!
أكتب هذه المقالة قبل إعلان نتائج التحقيقات التي سيجريها الحزب الإلهي، مع أنه لا يهمّني ولا يهم غيري كيفية مقتل بدرالدين، والطريف أن أولى الجهات التي أعلنت الخبر، قناة الميادين المموّلة من إيران وحزبها، أكدت أن الاغتيال تم بغارة إسرائيلية، لكن بيان الحزب الإلهي كذّبها ضمنا، إذ تم الاغتيال بتفجير كبير والتحقيقات ستكشف سببه، وكأن قناة الميادين استجابت لتعميم سابق، لكن الظرف الجديد استدعى تعاملا حزبيا مختلفا.
أيّا كانت نتائج تحقيقات حزب الله، يصعب أن يصدّقها أحد، بما في ذلك جمهور “المقاومة” نفسه، فلو تمت العملية بصاروخ إسرائيلي موجه أو عبر طلعة جوية، ما جدوى تحالف الممانعة مع روسيا بوتين، خصوصا وأن الغارات المزعومة فعلت بالمقاومين ما شاءت، فهذا سمير القنطار وذاك جهاد مغنية وغيرهم كثر. والزعم بأن القصف تم من الداخل السوري أفدح، إذ يشير إلى أن التقدم الروسي/الأسدي/الإيراني ليس غير وهم، ومن يستطيع أن يستهدف بدرالدين في أعتى أحياء دمشق يعني قدرته على إصابة بشار الأسد في قصر المهاجرين بإذن الله.
وفرضية إنجاز الاغتيال بعبوة ناسفة أو بقنص مباشر ليست مستبعدة، إذ لا يعقل أن يؤدي “الانفجار الكبير” إلى مقتل ضحية واحدة فقط. وهناك أحاديث عن إصابات لعناصر أخرى لم يفصح عنها صراحة. وأكد شهود عيان حضروا الجنازة وما سبقها أن جثة بدرالدين كانت أفضل من المتوقع. وتدل هذه الفرضية على خرق متجذر في أجهزة الحزب والأسد. وربما ترجّح فرضيات تبناها محللون، أن بدرالدين هلك بنيران روسية صديقة كرسالة دامية إلى طهران، أو أنه قضى نتيجة تجاذبات داخلية في محور الممانعة.
وكما كتبت قبل أسطر، ليس مهمّا كيف مات بدرالدين أو من قتله، ما يهمني هو بدرالدين نفسه ومن قتلهم، ولا يمكن تعريفه من دون التطرق إلى رفيق دربه عماد مغنية، وكلاهما من رموز الإرهاب، وأسماؤهما مطلوبة في عشرات الدول حول العالم، وسيرتهما تجربة منغمسة في الخروج عن القانون وعليه.
مغنية اسمه وارد في تفجير السفارة الأميركية والعراقية ومقر المارينز وثكنة الجنود الفرنسيين في لبنان ثمانينات القرن الماضي، إضافة إلى اختطاف طائرة أميركية. وورد اسمه في غير مرجع كمهندس للعلاقات بين إيران وبين تنظيم القاعدة. وظهر اسمه في غير تحقيق مرتبط بأحداث سبتمبر 2001، وهذا غيض من فيض.
وورد اسم بدرالدين في غير عملية لمغنية، ثم ظهر اسمه مستقلا عام 1983 في تفجيرات هزّت الكويت. وقبضت السلطات الكويتية عليه وأدانته. لكن الغزو العراقي حرره -بلا قصد- من سجنه، رغم محاولات مغنية لإطلاق سراحه عبر خطف طائرات وأجانب. ثم ظهر اسمه في محطات أسوأ، اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وغيره من شهداء قوى 14 آذار. وقد نشرت صحيفة الرؤية الإماراتية مؤخرا تقريرا مفصلا عن اغتيال بدرالدين للعميد وسام الحسن. وارتبط اسمه كذلك بجرائم بشعة في سوريا دعما للأسد. وفي سيرة بدرالدين ومغنية ملخص واف لإجرام حزب الله وإيران وإرهابهما.
إنها مصادفة لافتة، مكتنزة الدلالات، أن تتحول سوريا مقبرة لمغنية الأب والابن، وبدرالدين، وسمير القنطار، والقيادي الحزبي المعروف علاء البوسنة، وهي وصمة عار على من زعموا محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين بانكشاف حقيقتهم وهم يقتلون السوريين وينصرون الطغاة. لقد سقطت سوريا ضحية لإيران وحزب الله والأسد، وشهدت أرضها مقتل بعض الجناة، فكانت سوريا هي الضحية وكانت هي العقاب.
تعالى بدرالدين على العدالة الأرضية برفض الامتثال للمحكمة الدولية، كما أنه لم ينصع لأيّ قضاء محلي في الدول التي تطلب توقيفه، فجاءت عدالة السماء جاثمة عليه وعلى من يمثلهم ويمثلونه، وليت قادة “المقاومة” وجمهورها يتّعظون وهم يشربون كأس الدم التي سقوها غيرهم، على أن يتذكروا أننا شربناها غدرا وهم يشربونها عدلا.
في بعض الأرياف، يرفضون تلقّي العزاء في الشهيد إلى حين القصاص من القاتل، الآن نستطيع تعزية آل الحريري وغيرهم من شهداء ثورة 14 آذار وكذلك بعض الثورة السورية، فأحد القتلة غادرنا غير مأسوف عليه، صدق الأثر “بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين”.
(المصدر: العرب اللندنية 2016-05-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews