عشرون عاما من المفاوضات الفاشلة ولا يتعظون
بدأت المفاوضات السرية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في ظل اجواء احتفالية في واشنطن، حيث التقى الوفدان على مائدة افطار اقامها جون كيري، وزير الخارجية الامريكي، تم تبادل الابتسامات والمجاملات خلالها خاصة بين الدكتور صائب عريقات والسيدة تسيبي ليفني اللذين تربطهما معرفة قديمة متجذرة.
المؤسف ان الوفد الفلسطيني ذهب الى هذه المفاوضات دون تلبية اي من شروطه، سواء تلك المتعلقة بالاعتراف الاسرائيلي المسبق بحدود عام 1967 او تجميد الاستيطان في المناطق المحتلة في الضفة الغربية. "والعظمة" الوحيدة التي حصل عليها تتمثل في الافراج، وعلى مراحل، عن 104 اسرى فلسطينيين امضى بعضهم ثلاثين عاما خلف القضبان، وبات لا يشكل اي خطر على الاسرائيليين بسبب تقدمه في السن، حسب اقوال مسؤوليهم الامنيين.
السلطة الفلسطينية في رام الله تنفخ في قربة هذا "التنازل" الاسرائيلي الكبير وتحاول تضخيمه، واعتباره انجازا كبيرا، ولكن المسؤولين فيها ينسون ان حركة "حماس" الخصم السياسي التقليدي لهم نجحت في الافراج عن الف اسير فلسطيني مقابل الافراج عن الجندي غلعاد شليط، والشيء نفسه فعله السيد احمد جبريل في عملية التبادل المشهورة التي حملت اسم "النورس".
صفقة شليط جاءت واضحة، اي الافراج عن الف اسير مقابل جندي مختطف ولكن صفقة الافراج عن هؤلاء الاسرى، مع ترحيبنا المطلق وغير المتحفظ عن الافراج عن اي اسير فلسطيني، جاءت مقابل تنازلات سياسية ضخمة، قد تتطور الى تفريط في الثوابت في حال التوصل الى اتفاق في ظل حالة الانهيار الفلسطيني والعربي الحالية.
بعد عشرين عاما من المفاوضات واللقاءات لم تقدم فيها اسرائيل تنازلا واحدا ملموسا، ولم تلتزم بتطبيق اي بند من بنود الاتفاقات، مقابل التزام كامل من الطرف الفلسطيني، بما في ذلك التنسيق الامني، سيعود المفاوضون الفلسطينيون الى المربع الاول، اي التفاوض على حدود العام 1967. حدود الدولة الفلسطينية الوهمية.
وبينما يجلس الدكتور عريقات مع نظيرته السيدة ليفني في الغرف المغلقة في واشنطن يتفحصون الخرائط، ويناقشون حجم التنازلات المتعلقة بهذه الحدود، والتنازلات هنا من الجانب الفلسطيني، وليس الاسرائيلي، تستمر الحكومة الاسرائيلية في مشاريعها الاستيطانية دون هوادة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول هذا الاصرار الامريكي المفاجئ لجمع الطرفين على طاولة المفاوضات وفي مثل هذا التوقيت بالذات؟
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي قدم لنا اجابة غامضة حول هذه التساؤلات عندما قال "ان الدخول في المسيرة السلمية يساعد على تحقيق المصالح الاستراتيجية لاسرائيل" دون ان يقدم اي توضيحات لهذه المصالح، ودون ان يقول ان السلام مع "الجار" الفلسطيني هو من ضمنها.
نتطوع بالشرح والتحليل ونقول ان هذه المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية يمكن اختصارها في نقطتين اساسيتين:
*الاولى: تدمير المنشآت النووية الايرانية، الهدف الذي يحتل قمة اولويات حكومته، ولا نستبعد ان يكون قبوله الذهاب الى المفاوضات هو في اطار صفقة عقدها مع امريكا بمساندته في اي حرب يقرر خوضها ضد ايران في المستقبل القريب.
*الثانية: الخوف من البديل عن حل الدولتين المتآكل، اي الدولة ثنائية القومية، وهذه الدولة تعني استيعاب اكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني وضمهم، الامر الذي يحطم حلم نتنياهو في التفوق الديموغرافي، واعلان اسرائيل دولة يهودية صرفة.
الرئيس عباس بات اسيرا للمساعدات المالية الامريكية، لا يستطيع رفض اي مقترحات او املاءات لانه يدرك ان تأخر الرواتب اكثر من شهرين عن 160 الف موظف، سيعني انتفاضة ليس ضد اسرائيل واحتلالها فقط وانما ضد سلطته ايضا لانه لا يريدها، انطلاقا من مصلحته الشخصية. واكد مرارا وتكرارا انه لن يسمح بمثلها، وهذا ما يفسر تصدي قوات امنه بشراسة وقسوة لعشرات المتظاهرين الذين تظاهروا في رام الله ضد العودة الى المفاوضات، وغالبيتهم من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تماما مثلما فعل ويفعل الديكتاتوريون العرب، فحرية التعبير عن الرأي بوسائل سلمية غير موجودة مطلقا في قاموسه.
مواقف الرئيس عباس هذه الحقت وتلحق ضررا كارثيا بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتدفع بالعرب والمسلمين للانصراف عن الاثنتين، وتعمق حال الانقسام الفلسطيني الراهنة.
حركة "حماس" ارتكبت اخطاء كثيرة عندما وضعت كل بيضها في حركة الاخوان المسلمين وتخلت عن حلفائها وداعميها في ظل حال الاستقطاب الراهنة والمتفاقمة في الوطن العربي، ولكن الرئيس عباس الذي انتقدها، بل وعايرها بشدة بسبب هذه المواقف، وقع في الخطأ نفسه عندما وضع بيضه في سلة الانقلاب العسكري المصري، وقبل هذا وذاك في سلة امريكا انتظارا لسراب سلام مغشوش ومفاوضات مهينة.
اعمل في الصحافة منذ اربعين عاما، ولم أر في حياتي انخفاض الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية الى هذا المستوى المتدني وغير المسبوق، والمسؤول عن هذه النتيجة المخيبة للآمال هما طرفا المعادلة السياسية الفلسطينية، اي حركتا فتح وحماس بسبب انشغالهما بحكم وهمي مزور على حساب القضية، والسقوط في مصيدة الاستقطابين العربي والعالمي، ولذلك لم تعد القضية الفلسطينية رقما صعبا، وتبخر القرار الوطني الفلسطيني المستقل.
( المصدر : الصفحة الرسمية للكاتب عبد الباري عطوان على " فيس بوك " - 31/7/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews