كيف ومتى .. نجمد العمل في مشروع فاشل؟
حتى في غرفة الأخبار الرقمية، لا يزال الصحافيون من الدرجة الثانية يحلمون بكونهم قادرين على الصراخ: "أوقفوا طباعة الصفحة الأولى" من أجل إدراج سبق صحافي في وقت متأخر. الأسبوع الماضي، سايمون فوكس، الرئيس التنفيذي لشركة ترينيتي ميرور، حصل على التمييز المشكوك فيه لوقف المطابع - بشكل دائم - في صحيفة "ذا نيو داي" اليومية، بعد تسعة أسابيع فقط من إطلاقها مع شعار "الحياة قصيرة، دعونا نعيشها بشكل جيد".
المساهمون في الاجتماع السنوي لشركة ترينيتي ميرور وصفوا الفشل بأنه "مثير للإحباط" وقال محللون إنه كان "مُحرجاً".
لنفترض للحظة أن فوكس لم يكُن لديه أي فكرة عن التغييرات الهيكلية التي تجتاح وسائل الإعلام المطبوعة، بحيث إنه قرّر بتهوّر استثمار مزيد من الملايين في المشروع دون أي اعتبار للعواقب، مُتجاهلاً كل الدلائل على أن الصحيفة كانت تتعثّر. هذا سيكون أمراً مُحرجاً ومُحبطاً. بدلاً من ذلك كانت لديه الجرأة لإغلاق التجربة التي كان قد بدأها على عجل.
التخلّي عن أحد الأصول مهارة إدارية نادرة وصعبة وقيّمة. الغريزة الطبيعية لمعظم البشر هي المقاومة، كما كتب تيم هارفورد في "فاينانشيال تايمز" في عطلة نهاية هذا الأسبوع، حين تحدث عن فشل الأفراد في خفض خسائرهم. عندما يكون المشروع التزاما جماعيا، كما هي الحال في معظم مشاريع الشركات، يُصبح من الصعب أكثر الضغط على زر "التوقف" الأحمر.
مارك كايل وراميرو موتيليجري، في مقالة في مجلة "سلون مانيجمينت ريفيو" الصادرة عن معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا في عام 2000، حللا "تصعيد الالتزام" في اثنين من المشاريع المُكلفة بشكل كارثي - نظام جديد للتعامل مع الأمتعة في مطار دينفر، ونظام التسوية الإلكترونية "تاوروس" سيئ السمعة لبورصة لندن في التسعينيات.
توصّل الباحثان إلى سلسلة من الدروس للذين يحاولون الانسحاب من مثل هذه المشاريع تمثلت في عدم تجاهُل ردود الفعل السلبية، وطلب الآراء الخارجية الموضوعية، وعدم الخوف من تقليص التمويل، والبحث عن فرص لإعادة تحديد المشكلة، وإدارة الانطباعات. ولإنهاء مشروع تاوروس، مثلا، اضطر بيتر رولينز، الرئيس التنفيذي لبورصة لندن في ذلك الحين، إلى تقديم نفسه كبش فداء للبرنامج الفاشل. قال في وقت لاحق "كنت أعتقد أن أفضل شيء يُمكن فعله هو المغادرة. في الواقع، لعب ذلك دوراً أساسياً في استراتيجيتي لجعل مجلس الإدارة يُوقف المشروع".
قرار فوكس الإعلان عن إغلاق صحيفة "ذا نيو داي" في يوم الاجتماع السنوي لشركة ترينيتي ميرور ينبغي أن يُنظر إليه في ضوء هذا الدرس الأخير: من خلال وضع نفسه متعمداً في خط النار لانتقادات المساهمين، فقد تمكّن من إدارة ردة الفعل بشكل مُباشر.
لكن في معظم الحالات، مزيج من الغطرسة بشأن القدرة الشخصية على إنقاذ الوضع وعدم القدرة على رؤية الاحتمالات المتباعدة التي تحول دون تحقيق النجاح، يمنع القادة من تغيير المسار. "سأبيع قبل الأوان"، هذه كانت كما يُقال نصيحة ناثان روتشيلد حول كيف تُصبح غنياً. لكنه يبقى بمثابة استثناء، حتى إن تاجر الشركات، السير فيليب جرين، الذي يعد مختصاً اعترف بأنه احتفظ لفترة فوق الحد بأسهم BHS، سلسلة متاجر التجزئة التي تعرّضت للإفلاس بعد عام من بيعها مقابل جنيه واحد، ما أدى إلى الإضرار بسمعته.
العمر الطبيعي لمعظم المشاريع محدود، والأمر النادر هو الشركات التي تنجو. جوناثان هيلمان، في المدخل الموجود في القائمة النهائية للحصول على جائزة "براكين باور" العام الماضي لكُتّاب الشركات الشباب، يتقدم باقتراح غير متوقع مفاده أن فن "الانسحاب الاستراتيجي" سيُصبح أكثر أهمية في الوقت الذي تتفكك فيه الحياة المهنية للناس وتمارس الشركات مزيدا من الانضباط على المشاريع.
أحد الأمثلة الصارخة هو أولمبياد لندن. حتى في الوقت الذي بدأت فيه الألعاب في عام 2012، بنى المُنظّمون مرحلة، تُسمى "الإنهاء"، حيث سيتم تفكيك هيكلة ورواتب المشروع تدريجياً بعد المباريات.
الشركات أكثر تعقيداً ومصيرها أقل قابلية للتنبؤ، لكن يُمكن أن يُفكّر القادة بشكل مفيد بأنفسهم كأنهم يترأسون مجموعة من المشاريع، مع جداول زمنية مُحددة، وأهداف مُحددة، وبشكل حاسم، خطط مُحددة حول كيفية تفكيكها.
بيتر دراكر رأى أن "التخلّص المنهجي" - من مشاريع عادية غير عاطفية نظيفة تماماً - أمر بالغ الأهمية لتعزيز أفكار العمل الجديدة. كتب في عام 1985 "لا شيء يُركّز عقل الإنسان بشكل قوي على الابتكار مثل معرفة أنه سيتم التخلّي عن المنتج أو الخدمة الحالية في المستقبل المنظور".
لا شك أن فوكس يَود لو كان قادرا على أن يدعي أنه حقق مكانا دائما لصحيفة "ذي نيو داي" في أكشاك الصحف البريطانية، لكنه فشل في ذلك. ولو أن مزيدا من القادة يضعون في خططهم أن تكون للمشاريع حياة محدودة تعيشها بشكل جيد، وأن يتم بسرعة إنهاء المشاريع التي تبدأ في التراجع، فإنهم بذلك يفسحون المجال أمام مزيد من المشاريع الأصيلة الناجحة والقادرة على الصمود.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-05-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews