على أي أساس تتحدد رواتب موظفي الحكومة
تعتبر رواتب الحكومات في الدول النامية النفطية خاصة، وإلى حد كبير مؤثرا أساسا في تحديد الأجور في الاقتصاد الوطني، وخاصة أجور غير القياديين في القطاع الخاص. السؤال التالي ما معايير تحديد رواتب موظفي تلك الحكومات؟
لا أتكلم عن أسس منبعها تتبع رغبات الناس والأفراد، فكل واحد منا يحب مزيدا من متاع الحياة الدنيا. والكلام أيضا ليس عن معيار توفير الحياة الكريمة، فهذا مطلب عموم الناس، وهو ليس خاصا بموظفي الدولة. فكل المجتمعات تتطلع إلى توفير مستوى معيشي لائق، ولكن هذا نصف الصورة. النصف الثاني عن القدرة على تحقيق ذلك. بمعنى آخر، الأمور ليست بالأماني، كما أن الكلام ليس عن حالات خاصة.
ما المقصود إذا؟
المقصود الأسس التي ينبغي أو يفترض الاستناد إليها في تقرير عموم الرواتب، بناء على أوضاع الاقتصاد الوطني كما هو، وليس كما نحب أن يكون.
من المهم جدا وفي البداية التنبيه على أن هذه المعايير أو الأسس صعب قبول الغالبية بها، ما لم تتحقق متطلبات. فمثلا، من الصعب أن تطلب من الناس القناعة بشيء في وقت يرون فيه أناسا يتكسبون أو يحصلون على المال بطرق لا يقتنع الناس بأنها من حقهم، أو يرون فيها تساهلا غير مبرر. ولتسهيل الفهم، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما يهم بأمر فيه عبء أو تضحيات، كان يبدأ بأهل بيته، حتى يسهل على الآخرين الاقتناع.
معيار القدرة على الاستمرار: وربما كان أهم معيار. من الرشاد أن تبنى سلالم الرواتب على أساس قدرة الدولة وعلى مدى سنين طويلة في الدفع دون حاجة إلى تكوين ديون كبيرة. آخذا بعين الاعتبار تزايد السكان وتزايد فاتورة الرواتب كل سنة وتقلب مصادر دخل الدولة، وأسعار النفط خاصة. يتأكد هذا المعيار في حالة اتخاذ سعر صرف ثابت كما هو الحال في بلادنا. أما في حالة سعر الصرف غير الثابت (المرن)، فإن الدولة وبدلا من الاستدانة أحيانا وفي حالات (وليس دوما)، قد تلجأ إلى تمويل تضخمي كتخفيض سعر الصرف ويعد ذلك رسوما غير مباشرة.
معيار توزيع الإنفاق الحكومي على أوجه الصرف:
مثلما أن هناك معايير تدل على حسن التصرف المالي للشركات، فإن هناك أيضا معايير تدل على حسن تصرف الحكومات في الأموال العامة وتوزيعها على أوجه الإنفاق.
من المعايير العالمية السائدة في المالية العامة أنه ينبغي ألا يبلغ نصيب الرواتب وما يلحق بها أكثر من ثلث الإنفاق الحكومي. لماذا؟ حتى تتوافر للدولة مساحة لأوجه الإنفاق الحكومي الأخرى. مثلا ينبغي تخصيص نحو الربع للإنفاق الحكومي الرأسمالي ونحوه. ومساحة أخرى لنفقات الدفاع عن البلاد، خلاف رواتب العسكريين. ومساحة ثالثة لبقية بنود الإنفاق من تأمين مستلزمات وصيانة ونفقات جارية غير الرواتب وغير ذلك.
ما نتائج تدني الإنفاق الرأسمالي ونحوه؟
من أضرار تدني الإنفاق الرأسمالي وكذلك الإنفاق على الصيانة حصول خلل أو نقص كبير في المرافق والخدمات الأساسية من طرق وشوارع مرصوفة، ومياه ومبان مدرسية، ومستوصفات ومستشفيات، وخدمات بلدية، ومساكن...إلخ، كما تعاني نسبة كبيرة من منشآت المرافق القائمة من نقص وإهمال بين في التجهيز والصيانة. وأحد أسباب هذا التدني الاختلال في توزيع الإنفاق الحكومي على أوجه الصرف. هذا التدني الإنفاقي يسهم في قصور الطاقة الاستيعابية في الاقتصاد، وهذا القصور يسهم بدوره في زيادة معاناة الناس ورفع الأسعار والتكاليف.
معايير أقل أهمية
معيار التسوية الوظيفية: هناك أعداد كبيرة من الذين يتطلب وضعهم الوظيفي تصحيحا. يجب أن تؤخذ تسوية أوضاع هؤلاء بالاعتبار في رسم سلم الرواتب.
معيار تزايد عدد الموظفين: مفترض أن يستند سلم الرواتب إلى أن الحكومة ستوظف مزيدا مع مرور السنين لأن السكان في تزايد. وهناك حاجة إلى فتح المزيد من الخدمات الحكومية أو الممولة حكوميا.
معيار المواءمة بين اليد العاملة والآلة: معروف أن بالإمكان استخدام مزيد من الآلات مقابل تقليل اليد العاملة، والعكس صحيح أيضا. ويعتمد الأمر على تكلفة مقابل منفعة كل واحد من العمل والآلة.
في بلادنا، هناك عامل مؤثر قل أن نجده في البلدان الأخرى، وهو المتعلق بأنظمة استقدام وإقامة اليد العاملة الوافدة. وهذا العامل باختصار يعمل على زيادة الاعتماد على استخدام العمل المستورد وخفض أهمية العمل ومستوى الأجور، ومن ثم زيادة الفجوة بين أجور القطاعين العام والخاص من حيث المتوسط.
سؤال:
السؤال التالي لن أجيب عنه، بل أترك لكل قارئ رؤيته. لو طبقنا أهم المعايير السابقة على بلادنا، فماذا نتوقع أن يكون سلم رواتب الخدمة المدنية؟
(المصدر: الاقتصادية 2016-05-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews