العودة لأساسيات سوق النفط
أعلن البنك الدولي في أحدث طبعة له، من نشرة آفاق أسواق السلع الأولية، عن رفع توقعاته لأسعار النفط الخام لعام 2016 إلى 41 دولارا للبرميل مقابل 37 دولارا للبرميل، وذلك في ظل تحسن معنويات الأسواق وهبوط قيمة الدولار الأمريكي وتوقع انحسار العرض الزائد في الأسواق.
كما لاحظ البنك أيضا تحسن الطلب الصيني على النفط خلال الأشهر الماضية.
ولا شك أن أساسيات أسواق النفط لم تعد كما كانت ثابتة بل باتت متحركة ومعرضة للتغيير بصورة دراماتيكية خلال السنوات المقبلة. ونحن هنا لا نتحدث فقط عن الأساسيات المرتبطة مباشرة بجانبي العرض والطلب مثل الأوضاع الاقتصادية وحجم الاستهلاك وحجم الإنتاج والعملات وأسعار الفائدة وغيرها، بل أيضا بالأساسيات غير المباشرة مثل التطورات التكنولوجية، حيث لاحظ تقرير أخير لوكالة الطاقة الدولية أن التطورات التكنولوجية في الدول المستهلكة الرئيسية مثل الصين قد يدفعها تدريجيا لتحويل استهلاكها من أنواع معينة من النفط إلى أنواع أخرى، مما يعني إحداث تغير أساسي في الدول الأكثر تأثيرا في أسواق النفط.
وقبل عدة أيام علق خبير اقتصاديات النفط والطاقة البروفيسور ممدوح سلامة على عدم نجاح اجتماع الدوحة في تثبيت سقف الإنتاج، وبين أن تجميد إنتاج النفط لا معنى له لأنه سيجمد الإنتاج على مستوى إنتاج يناير من هذا العام وهو أعلى مستوى إنتاج لدى روسيا والسعودية وأعضاء المنظمة. كما أن تجميد الإنتاج لا يؤثر لا من قريب ولا من بعيد على الأسعار وبالتالي فهو لا معنى له، إنما رأت حكومة قطر بسياستها البعيدة النظر أن تصل في اجتماع الدوحة إلى نوع من الاتفاق حتى ولو كان اتفاقا باهتا حتى تستطيع أن تبني عليه لاحقا اتفاقا ربما لتخفيض الأسعار في المستقبل.
وقد بات واضحا للعيان أن جميع الدول المنتجة للنفط متضررة من انخفاض أسعاره. لذلك بات لزاما تعاون الجميع دول منتجة ومستهلكة على انتشال الأسعار ولعل هذه كانت قراءة البنك الدولي لدى إعادة توقعاته لأسعار النفط.
بل إن توقعات الخبراء تذهب أبعد من ذلك وتضع السعر في نطاق ما بين 50 – 60 دولارا للبرميل مع نهاية العام، ليس فقط بسبب الأسباب التي أشار إليها البنك الدولي، بل لأن المراهنات على سوق النفط الصخري الأمريكي كان مبالغا فيها، نظرا لكون النفط الصخري لا يتمتع بالمزايا التي يحاول بعض المستفيدين الترويج لها، ولأن مستقبل هذا النوع من النفط غير مبشر والسبب يعود إلى سرعة النضوب حيث إن البئر تخسر في أول عام من الإنتاج ما بين 70 و90% كما أن الشركات الأمريكية تحتاج لأن يكون سعر النفط بحدود 135 دولارا لكي يكون الإنتاج مجديا. وقد أوقفت الشركات الأمريكية الكبرى استثمارات بنحو 100 مليار دولار بسبب انخفاض الأسعار وإن إنتاجها انخفض بمقدار مليوني برميل يوميا.
الجانب الآخر المبالغ فيه أيضا هو الإنتاج الإيراني. فوفقا لخبراء، فإن إيران غير قادرة على إغراق الأسواق في الوقت الراهن حيث إنها تنتج 2.8 مليون برميل منها 2 مليون برميل يستهلك في السوق المحلي وتصدر فقط 800 ألف برميل يوميا. وتحتاج إيران لفترة طويلة لإصلاح آبار النفط والمضخات التي تضررت كثيرا بسبب الحصار الاقتصادي وسوء إدارة إنتاج الخزانات النفطية.
يبقى الحديث ضروريا عن دول مجلس التعاون الخليجي في مقابل كافة هذه التطورات. وواضح إن إعادة هيكلة أسعار المنتجات النفطية في الأسواق النفطية لن يكون مفيدا فقط في زيادة الإيرادات الحكومية، بل والأهم هو وقف إهدار الثروات النفطية من خلال الاستهلاك المجحف والمبالغ فيه، حيث لا يستبعد خبراء أن تتحول بعض الدول الخليجية إلى مستوردة للنفط في المستقبل إذا ما استمر تنامي الاستهلاك الداخلي للنفط وفقا لمعدلاته الحالية.
بالتزامن مع ذلك، يجب أن تواصل دول الخليج جهودها لتغيير إستراتيجيات استثمار النفط والتحول تدريجيا من مجرد مصدر للنفط كخام إلى مصدر للنفط الخام والمكرر والتحول عن استخدام النفط لتحلية مياه البحر واستخدام الطاقة الشمسية، والتحول كذلك عن استخدام النفط لتوليد الكهرباء، والتحول نحو الطاقة النووية. وهنا يجب أن ينظر لإنتاج واستهلاك الثروة النفطية ليس من زاوية كونها هي المتاحة والمتوفرة فقط أمام هذه الدولة ولكن من زاوية كونها تمثل أحد البدائل المتاحة التي يجب أن يقرر استخدامها هي أو غيرها بناء على دراسة التكلفة الاقتصادية والاجتماعية البعيدة المدى. كما أن التوجه نحو تكرير جزء أكبر من النفط يعمل على تعظيم القيمة المضافة له من خلال خلق العشرات من الخدمات الداعمة التي يمكن أن يتملكها القطاع الخاص.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-05-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews