سوف تستمر أسعار النفط في الارتفاع
في كلمة وافية للنعيمي حول النفط في ندوة في هيوستن قبل عدة أسابيع ذكر أنه لو استطاع التنبؤ بأسعار النفط لا أصبح مقامرا، ولذلك لن أتجرأ وأذكر سعرا مستقبليا. سأحاول قراءة المعطيات وتوظيفها للمستقبل. في الآخر لابد للتوقع أن يكون مبنيا على قراءة معادلات الطلب والعرض من ناحية وتقدير طبيعة الصناعة النفطية من ناحية أخرى. النفط سلعة ولذلك التذبذب أحد سماته ولكن أيضا سلعة استراتيجية، ولذلك هناك بعد سياسي حاضر بدرجات مختلفة حسب توازن القوى و تفاعلها مع الاستحقاق الاقتصادي والضغوط المالية. الحالة اليوم مؤاتية لاستمرار أسعار النفط في الصعود ولكن الارتفاع لن يكون غير متعرج لأسباب موضوعية.
الطلب في نمو وعلى درجة مقبولة من الاستقرار خاصة في ظل نمو اقتصادي عالمي بطيء، فالطلب عند نحو 95 مليون برميل يوميا، ولكن سبب انخفاض الأسعار هو زيادة العرض. ما تغير في السنوات القليلة التي سبقت صيف 2014 كان تراكم المعروض إلى أن أدى إلى انخفاض السعر خاصة على أثر عدم قدرة "أوبك" على الاتفاق (الاتفاق على استمرار السياسة). في نوفمبر 2014 وصل الفائض إلى مليوني برميل. السبب الرئيس كان نمو إنتاج النفط الصخري، ولكن كان أيضا هناك زيادة من العراق وآخرين بكميات أقل. السبب الرئيس في ارتفاع الأسعار منذ بداية العام الحالي هو مواصلة الطلب خاصة بعد الاطمئنان النسبي على الأوضاع الاقتصادية في الصين وانخفاض إنتاج النفط الصخري بنحو نصف مليون برميل ونقص في إنتاج كندا. العامل الأكثر أهمية على المستوى المتوسط في نظري يأتي في الانخفاض الحاد في الاستثمارات الرأسمالية في النفط بسبب الانخفاض في الأسعار وتأثير ذلك في معادلة العرض على مدى السنوات القليلة المقبلة. فقد انخفضت الاستثمارات النفطية من 800 مليار دولار في 2014 إلى 400 في عام 2016. الاستثمارات الرأسمالية في الاستكشاف والإنتاج طويلة المدى وخاصة إذا كانت بين دول العالم النامي والشركات العالمية، فكما شهدنا في تطور الإنتاج العراقي والذي بدا متفائلا بعد الغزو الأمريكي ولكن لم يتم اتفاق مع الشركات العالمية (وانسحب بعض من أهم الشركات مثل إكسون موبيل وشيفرون) إلا في نهاية 2009 ولم يصل إنتاج العراق إلى مستواه أثناء حكم صدام حتى 2013. قبل نحو شهر أبدى مسؤولون إيرانيون امتعاضهم من عدم إقبال الشركات العالمية للاستثمار في إيران بعد رفع الحضر العالمي لأسباب منها الثقة بالأوضاع الداخلية، وطبيعة العقود المطروحة، وانخفاض الأسعار، وتوافر الأموال للاستثمار. كما أن الكثير من الشركات الأمريكية مثقلة بالديون، حيث أفلس نحو 45 شركة (شركات صغيرة مستقلة في النفط الصخري غالبا) والكثير يعاني ولو أن البعض منهم لم يستغل الظرف المواتي لجذب الأموال عن طريق السندات الأقل جودة، والبعض استطاع بيع بعض الإنتاج من خلال عقود مستقبلية لألحق بهم خسائر موجعة.
موجة الجفاف في الاستثمار سوف تسبب قلة في الإنتاج تدريجيا خاصة أن الكثير من الحقول قديمة وتتطلب استثمارات مستمرة لاستبدال المنتج. الكثير من الدول النامية تحت ضغط مالي مستمر ما يقلل الأموال المتوافرة للاستثمار في القطاع كما حدث في فنزويلا وإيران ويحدث في العراق وروسيا. يبدو أن مرونة العرض في النفط الصخري أعلى، بمعنى في حال تغير السعر فإن الكميات المنتجة ستزيد بسرعة أعلى من المعهود. ولكن هذه الظاهرة لم تختبر على نطاق واسع و لمدة معتبرة خاصة في ظل سرعة نضوب الحقول الصخرية مقارنة بالنفط التقليدي. إذا استمر الطلب في النمو ولو بنسب قليلة (أقل من مليون برميل يوميا) مع النقص الحاد في الاستثمارات فسوف ترتفع الأسعار في مدة أقصر مما يتصور أغلب المراقبين. تأثير نقص الاستثمارات سيكون عاملا حاسما تقريبا في النصف الثاني من 2017. كما أنه كلما استمرت الأسعار في مستوى منخفض (إلى حد عدم تشجيع الاستثمارات) تعافت الأسعار بقوة حين يجد السوق توازنا جديدا. سوف آخذ بنصيحة النعيمي وأتوقع أن تجد السوق توازنا عند سعر أعلى، ولكن الأرقام ستخادع الجميع. في الآخر أثبتت أسعار النفط أنه على الرغم من تذبذباتها الحادة إلا أنها لا تبتعد عن مسار السعر الحقيقي (السعر الاسمي ـــ ناقص التضخم) وهذا قريب من 75 ـــ 90 في المدى المتوسط.
(المصدر: الاقتصادية 2016-04-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews