متوسط استهلاك الفرد .. إعادة نظر
أصبح المواطن العادي يحمل أعباء الاستهلاك العام من خلال استخراج معدلات استهلاك فردية مخاتلة يتم بموجبها تقسيم إجمالي الاستهلاك في سلعة أو خدمة ما على عدد السكان والخروج برقم معين يسمى متوسط الاستهلاك ليتم بعد ذلك دمغه بخاتم الجهة المصدرة لهذا المتوسط وترويجه في كل المناسبات وتقريع المواطن بأنه الأكثر استهلاكا في العالم، وقد لا يكون الأمر بهذه الصورة المطلقة من الناحية الإحصائية.
كانت هذه الصفة تسحب على استهلاك الوقود والكهرباء والمياه وغيرها، وأخيرا دخل على الخط متوسط جديد هو متوسط استهلاك الفرد بالمملكة من التمور والقمح والسكر والدواجن واللحوم، وذلك عندما أماط معالي وزير الزراعة اللثام عن متوسط عالمي جديد سجل باسم المواطن السعودي كأعلى النسب في العالم.
أنا هنا لا أنفي هذه الأرقام كما أني لا أؤكدها فهذا ليس من اختصاصي آخذا بعين الاعتبار أهمية التعامل مع هذه الأرقام بموضوعية وحيادية تامة، لكن ما لدي في هذا الاتجاه هو التحفظ الكبير على طريقة استخراج هذه المتوسطات !! صحيح أن المتوسطات العالمية يتم استخراجها بهذه الطريقة، لكن ثمة استثناءات تتعلق بالنموذج السعودي، أولها إجرائي فعندما نعلم بأن تسربات المياه في المملكة من الشبكات تبلغ 30 % فهذا يعني أننا أضفنا الثلث على هذا المتوسط أوتوماتيكيا، وقد يكون هذا الثلث أصلا أكثر من نصيب أو متوسط أفراد بعض الطبقات الاجتماعية ذاته، وثانيهما تنظيمي فعندما ندرك بأن القمح يباع على المستهلك بثلث تكاليفه على الحكومة أو نصف قيمته السوقية فمن الطبيعي أن يترتب على ذلك كل هذا الرجيع الكبير من الخبز الذي قد يستخدم للمواشي، وبذلك تتكون بذور هذا الانحراف الاستهلاكي ليسجل أيضا على المستهلك العادي، وثالثهما ديمغرافي فعندما نعرف أن الكهرباء لدى بعض الطبقات الثرية تستهلك بطريقة مفزعة وغير معقولة فإن فائض متوسطها يحمل ويوزع على نصيب متوسط المواطن العادي، أيضا وهي طبقات ثرية تختلف في خصائصها ونماذج استهلاكها عن طبقات المجتمعات الثرية الأخرى، ورابعهما منهجية، حيث إن مصادر هذه المتوسطات ليست محايدة، فهي ليست صادرة من مراكز أو معاهد مستقلة تلتزم بأصول وأدوات البحث العلمي في استخراج هذه المتوسطات، وغالبا ما تأتي مثل هذه الأرقام من مؤسسات وهيئات ووزارات تحمل أفكارا مسبقة وخططا تتساوق مع طبيعة هذه النسب.
في اعتقادي أن غياب الدراسات السكانية والاجتماعية وحجم الشريحة الغنية ومتوسط استهلاكها العام المرتفع نسبة إلى المتوسط العالمي ونسبة تأثيرها على انحراف المتوسط العام مسألة غير محسوبة ولا مأخوذة بعين الاعتبار وربما كانت ستغير من هذه المعادلات بالكامل لو أعيد تحليل هذه المتوسطات وإرجاعها لأوزانها النسبية.
(المصدر: عكاظ 2016-04-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews