زيارة وفد حماس لطهران ولقاء قاسم سليماني
إذا كانت الملفات الساخنة لا تقف عند القمة الإسلامية في تركيا أو إعادة تيران وصنافر للسعودية ، أو إغلاق مقرات الإخوان المسلمين في الأردن ، أو وصول وفد من الأمم المتحدة لداريا لأول مرة بعد أربع سنوات من الحصار الإيراني أو أزمة البرلمان العراقي أو مفاوضات اليمن وحصار تعز أو إعادة تنظيم داعش الإرهابي للقرى التي خسرها في ريف حلب الشمالي أو حقوق الإنسان في العالم العربي أو ما يستجد من ملفات ، أقول : إذا كان هذا وسواه مما لم يذكر أو يستجد في الأيام القادمة مهمة لدرجة تستوجب سبر أغوارها ، والحديث عن أسباب بعضها ، فإن حدثا لم يذكر ضمن ما ذكر ، أجدني راغبا في التحدث عنه نظرا لسخونته وما حملته نتائجه من دلالات ، ألا وهو زيارة وفد حمساوي لطهران طلبا للتمويل والإمداد .
إن هذه الزيارة تعتبر الأبرز ، لأنها كشفت عن طبيعة حماس وطبيعة نظام الملالي وكيفية تعاطيه مع قضايا المنطقة ، وهو التعاطي الذي لخصته تصريحات حسن روحاني خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده مع أردوغان السبت في اسطنبول ، حين اتهم السعودية بأنها ترتكب إبادة جماعية في اليمن متناسيا مجازر الحوثيين الذين يدعمهم ، ومجازر مراجعه الدينية من حجج الله وآيات الله على امتداد العالم الإسلامي ، وبأن ما يجري في سوريا والعراق والمنطقة لا شأن لإيران به ، في تزوير للواقع قل نظيره ، وجرأة على قلب الحقائق يصعب تصورها صادرة عن رئيس دولة على منصة صحفية تغطيها مختلف وسائل الإعلام العالمية من تلك التي تعرف بأن المسؤولين الإيرانيين يكذبون على أنفسهم قبل ان يكذبوا على العالم .
زيارة وفد حماس إلى طهران ، وعودته خاوي الوفاض بعد أن كان مؤملا دعما غير مشروط ، خاصة وأن وضع حماس المالي في الحضيض ، والقطاع يئن تحت وطأة الجوع والفاقة والمرض بفعل الحصار أولا واستفراد حماس بالحكم ، واستقوائها على الناس في سجن كبير يدعى غزة ثانيا .
وقبل أن نروي لقرائنا ما وقع مع حماس ، وفق رواية استخبارية إسرائيلية سربها موقع ديفكا نهاية الأسبوع وترجمها موقع جي بي سي نيوز ، وبغض النظر عن مصداقيتها أو زيادة أو نقصان بعض تفاصيلها بحكم العقلية الصهيونية الحاقدة على كل شيء ، فإنها رواية يُستأنسُ بها على كل حال ، لكونها تميط اللثام عن بعض النقاط المبهمة لدى القارئ العربي والفلسطيني على وجه الخصوص ، ذلك الذي تقول حماس : إنها تمثله ، أو تمثل جزءا منه ،وفق روايتها :
فقد ذهب وفد حماس إلى طهران برئاسة الرجل الذي قال في تسريب صوتي له قبل اسابيع : إن إيران أوقفت دعمها لحماس منذ سنوات ، وإنها تشترط شروطا وتطلب نتائج على الأرض قبل أن تدفع أي قرش ، ضاربا مثلا على ذلك بطلب إيران من حماس التوسط لدى السودان من أجل فتح سفارة إيرانية في الخرطوم ، وغير ذلك من مآرب إيرانية لا تخفى على أحد بُثت على اليوتيوب .
الشخص الذي نعنيه هو موسى ابو مرزوق نفسه ، صاحب الصوت في الشريط المسرب ، والرجل الثاني في حماس بعد خالد مشعل ، ولقد ذهب وفد حماس برئاسة أبو مرزوق ، وقضى هناك عدة أيام ، وهنا نترك لموقع ديفكا ، المقرب من الأستخبارات الإسرائيلية أن يكمل القصة ، حيث يقول :
" الوفد الذي أرسلته حركة حماس إلى إيران برئاسة موسى أبو مرزوق عاد يوم السبت الماضي إلى القطاع، وكانت مهمة الوفد تتمثل في العمل على كسر المقاطعة الإيرانية لحركة حماس، واستئناف ضخ الأموال والأسلحة إليها. وقد أطلق على الوفد اسم "وفد الإنقاذ"، والسبب في هذه التسمية هو النقص الهائل في دخل حماس، مما أدى إلى تقليص مرتبات الضباط والعاملين في حماس بنسبة الثلثين، فالمقاتلون الذين يحصلون على أجر ستمائة دولار، لا يحصلون منذ آذار سوى على مائتي دولار فقط. كما أن حماس أوقفت التدريبات والتطوع والخدمات المقدمة إلى المدن لعجزها المالي " .
يضيف ديفكا :
" لقد حاول الوفد تغيير القرار الذي اتخذته إيران منذ منتصف عام 2009 بوقف المساعدات المالية نظرا لرفض حماس الانضمام إلى الخط الإيراني لدعم الرئيس السوري الأسد، والمتمردين الحوثيين في اليمن.
وبعد أن مكث الوفد في طهران مدة أسبوعين قررت القيادة الإيرانية إرسال قائد قوات كتائب القدس في حرس الثورة، وقائد الجبهة الإيرانية في العراق وسورية وفلسطين الجنرال قاسم سليماني للقاء الوفد. وقد كان سليماني مباشرا جدا في ما قاله للوفد حيث قال : "لا توجد أية فرصة لأن تغير إيران علاقتها تجاه حماس، أو تقدم لها أية مساعدات مالية أو حربية قبل أن تغير حماس تعاملها تجاه الرئيس السوري، والتغيير لا يجب أن يقتصر على إعلان التأييد له، بل بأن تأمر قواتها العسكرية في لبنان بالانضمام إلى الجهد العسكري الذي يقوم به حزب الله في سورية ".
وهنا يفصل الموقع العبري قائلا :
لا شك أن هناك ثلاثة أبعاد أخرى غير العلاقات بين الجانبين، وهي :
1- إيران لن تتخلى عن بقاء الأسد في السلطة، وهي تطالب جميع حلفائها بتأييده.
2- اختفاء الجنرال سليماني منذ شهر تشرين الثاني الماضي أثار أقاويل حول إصابته وعزله، بيد أن لقاءه مع وفد حماس يؤكد أنه عاد لممارسة عمله السابق.
3- رفض إيران لمطلب حماس، لا يدع لحماس مناصا من العمل على تحسين علاقاتها مع الرئيس المصري السيسي، وقد اجتمع وفد حماس الذي توجه إلى القاهرة مؤخرا مع مسؤولين في المخابرات المصرية، والنتائج لم تكن بعيدة عن لقاءات الوفد في طهران. فقد قال المصريون للوفد: إذا كنتم تريدون استعادة العلاقات مع مصر، يجب أن ترونا أولا إلى أي مدى أنتم على استعداد للتعاون مع مصر ضد داعش في سيناء، وأن هذا التعاون سيتمثل في تسليم المخابرات المصرية المعلومات التي لدى حماس حول داعش في سيناء ".
ويضيف ديفكا :
هذا في الوقت الذي تقول فيه إسرائيل أن حماس غير معنية بالتصعيد، وهنا يعلق الموقع الصهيوني شامتا : " لقد أوجدت إسرائيل لحماس مبررا لإخفاء ضعفها وانهيارها المادي عن الجماهير الفلسطينية " .
وكما قلنا ، فإن تقرير ديفكا هذا غير موثوق بدرجة قطعية ، ولكن الذي يعزز فشل زيارة أبو مرزوق والوفد المرافق لطهران ، هو أن شيئا لم يتغير في غزة ، فلا الرواتب دفعت للموظفين ولا للعسكريين ، وما زال القطاع يعتمد في كل حياته على المنافذ الإسرائيلية ومنفذ رفح المصري ، أي أن وجود حماس في القطاع بات عبئا عليه ، ولكن طبيعة الصراع وظروفه ، هي التي ربما تكون قد فرضت مثل هذه الحقائق على الأرض.
وأيا كان الأمر ، فإن إيران تعتمد في وجودها في غزة على الفصيل الثاني من حيث القوة ، وهو حركة الجهاد الإسلامي التي ترتبط بعلاقات وثيقة معها تمويلا وتسليحا ، وليس هذا فقط ، بل إن إيران خاطبتها في الآونة الأخيرة لإعادة ترميم علاقتها مع حركة شيعية انشقت عن الجهاد تدعى " حركة الصابرين " وباتت فصيلا شيعيا مواليا لإيران بشكل رسمي في غزة ، حيث تواترت الأنباء عن طلب طهران من رمضان شلح ، أمين عام حركة الجهاد أن يعيد منتسبي حركة الصابرين المنشقين إلى الحركة ، بعد أن قامت حماس بإغلاق بعض مقار الحركة الشيعية الوليدة ، والتي يقال إن لها امتدادا خارج غزة ، تشكل عقب حصار مخيم اليرموك في دمشق ، حيث قام حزب الله وبأوامر إيرانية باستغلال بعض الشبان الفلسطينيين في المخيم المحاصر ، وتمكن من احتوائهم ومن ثم تشييعهم وتسليحهم والزج بهم على الجبهات ، لتشكل حركة الصابرين هذه أول حركة فلسطينية " شيعية " موالية للولي الفقيه ولاءا مطلقا ، وكما يظهر ، فإن طلب إيران من الجهاد إعادة أعضاء حركة الصابرين إلى صفوفه يهدف إلى اختراق الحركة بعناصر وضباط فلسطينيين شيعة موالين لطهران مقدمة ، كما يبدو ، لتشييع حركة الجهاد ذاتها ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل إيران تستغني عن خدمات حماس في غزة .
إن غزة الجريحة المحاصرة ، بحاجة إلى إنقاذ من نوع خاص ، ينفض عنها حركات إسلامية متكلسة بلا مشروع ، وفصائل موالية لنفسها فقط ، ويحميها من براثن التشيع من جهة ، والعبثية من جهة أخرى ، بعد أن تسبب قصر النظر السياسي وشهوة السلطة ، في تدميرها عبر أكثر من حرب ، وارتكاب إسرائيل بحقها وحق شعبها عشرات المجازر .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews