مفاوضات جنيف.. عود على بدء
بعد آخر جولة من مفاوضات جنيف التي انطلقت منتصف شهر آذار الماضي، يتحضر المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا من أجل استكمال مسار المفاوضات في التاسع من هذا الشهر، وسط تواصل الخلاف بين فرقاء النزاع السوري على عناوين كثيرة. قبل انطلاق الجولة الأخيرة من تلك المفاوضات، كان ممثل الحكومة السورية في مفاوضات جنيف بشار الجعفري يؤكد موقف بلاده المتعارض مع فكرة طرح مصير الرئيس بشار الأسد في جنيف، في إشارة صريحة إلى أن النظام السوري يرغب إما في استكمال المسار السياسي وفقاً لأجندته، أو الخوض في النزاع العسكري لحسم المعركة على الأرض. أما موقف المعارضة فهو على النقيض تماماً، حيث طرح كل فريق موقفه من الأزمة السورية وطرق حلها، لكن أياً من هذه المواقف لم تتلاق، الأمر الذي دفع دي مستورا إلى الإعلان عن وثيقة حملت اسمه، واستهدفت التفصيل في 12 نقطة لتسوية الأزمة السورية. أهم ما جاء في الوثيقة تأكيد وحدة سورية وسلامة أراضيها وبناء الجيش على أسس وطنية، وتشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، وهذه كان قد اعتبرها دي مستورا أم القضايا كونها تمثل جوهر الخلاف بين فرقاء النزاع السوري. على أن الوثيقة قوبلت بمعارضة قوية من قبل طرفي النزاع السوري، ذلك أنها وإن لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى مستقبل الرئيس بشار الأسد حتى لا تفسد على الفور من قبل ممثلين عن النظام السوري، إلا أن هؤلاء لم يعتبروها الأساس أو المرجعية التي يمكن التفاوض حولها. الرئيس بشار الأسد وفي تصريحات للإعلام الروسي، قدّم مقاربة تعكس موقف النظام من الأزمة السورية، ذكر فيها أنه يمكن تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الموالين لدمشق والمستقلين، فضلاً عن المعارضة السورية، وأنه يمكن صياغة دستور جديد في غضون أسابيع. هذه المقاربة للحل السياسي تعكس استراتيجية النظام السوري الذي يعتبر أنه أصبح الأقوى في معادلة النزاع العسكري وأنه قادر على التمسك بأجندته، خصوصاً وأن القوات الحكومية استعادت مدينة تدمر التاريخية من تنظيم "داعش" الإرهابي وهي تواصل حربها ضد هؤلاء في مواقع أخرى داخل التراب السوري. الأسد قال صراحةً: إن الدعم الروسي والاستكمال السوري في محاربة الإرهاب يقربان من الحل السياسي. وهذه إشارة ينبغي أخذها بعين الاعتبار كونها تقول: إن النظام السوري يريد أن تنعكس موازين القوى العسكرية على الأرض على أجواء المفاوضات. ويبدو في حقيقة الأمر أن النظام السوري لا يهمه استعجال الخوض في المفاوضات إذا كانت لا تنسجم مع مواقفه، وبالتالي تستفيد القوات السورية من الهدنة المثبتة مع تنظيمات المعارضة، لتوجيه جهدها نحو محاربة "داعش" واستمالة الولايات المتحدة وشركائها الدوليين نحو إشراك دمشق في إطار جهد دولي جماعي لمحاربة الإرهاب. إذاً النظام السوري نسف وثيقة دي مستورا وطرح موضوع حكومة وحدة وطنية تحت قيادة الأسد، أما المعارضة فقد رفضت تصريحات الرئيس السوري، واعتبرت أن الحديث عن هذه الحكومة هو أمر غير شرعي ولا غنى عن تشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة. المعارضة تمسكت بما قال عنه دي مستورا "أم القضايا"، وعلى أن تقود إلى رحيل الأسد عن السلطة، وهنا يكمن حرد المعارضة من كون المبعوث الدولي تعرض في وثيقته إلى هيئة حكم انتقالي دون أن يلقي الضوء على مصير الأسد. وليست المعارضة وحدها التي ترفض تصريحات الأسد، وإنما اتفقت الولايات المتحدة مع الأولى على أن الحديث عن حكومة وحدة وطنية بوجود الرئيس السوري من شأنه أن ينسف المفاوضات ويفشل العملية السياسية. ولفت أحد المعارضين والمشاركين في مفاوضات جنيفر إلى أنه إذا لم يتم التطرق إلى مصير الأسد خلال جولة جنيف المقبلة فإنه لا حاجة للمفاوضات، على اعتبار أن المعارضة ترى في عنوان المفاوضات الوصول إلى أهم مخرج يتمثل في رحيل الأسد عن السلطة. هذا هو أساس الخلاف وجوهره بالنسبة لفرقاء النزاع السوري، وعدا ذلك فهو بمثابة خلافات دسمة وغير دسمة يمكن حلها، في حال ذللت العقبات أمام القبول بصيغة تنهي قصة مصير الأسد، لكن المؤشرات الحالية لا تبعث على التفاؤل في ظل تمسك كل فريق بموقفه. وهذا قد يعني أن الجولة المقبلة من المفاوضات والتي يفترض أن تبدأ في التاسع من الشهر الحالي، لن تجرى على أرضية وثيقة دي مستورا، ما يقود إما إلى إلغاء الوثيقة تماماً واستعراض أجندات الطرفين، أو إجراء تعديلات على الوثيقة، ما قد يؤدي إلى إيجاد حالة من التوافق وهذا أمر مستبعد. هو أمر غير وارد حدوثه لأن موسكو متمسكة بموقفها الذي يعتبر أن مصير الأسد متروك للشعب السوري، بينما تقول الولايات المتحدة: إن وجود الرئيس السوري في حكومة وحدة وطنية سيؤدي إلى فشل المفاوضات، وهذان الموقفان المتعارضان يعكسان سياسة تقوم على تدوير النزاع وإبقائه في حلقة مفرغة. ما سيجري في جنيف ربما هو نسخة من المفاوضات التي جرت قبل، ومجرد اجترار نفس المواقف دون الذهاب إلى صيغ يمكن الأخذ بها والبناء عليها لتسوية الأزمة السورية؛ ذلك أن غياب الإرادات أمر معروف في الأزمة السورية، وهي مرهونة في الأساس بأيدي الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري. ويبقى القول: إن النزاع العسكري الذي يشهد وقفاً للعمليات القتالية بين فرقاء النزاع، ما يزال يخضع لمعادلة كسر موازين القوى، طالما وأن السياسة لم تكسر جمود التسوية، ذلك أن طرفاً مثل القوات الحكومية السورية يعتبر أن تحقيق انتصارات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" وأخواتها سيعني تحقيق انفراجة نحو الحل السياسي. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد تستفيد من الحرب التي تشنها القوات الحكومية السورية على "داعش"، باعتبارها تهدد السلم والأمن الدوليين وجرى إطلاق تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة للقضاء عليها، وهذا ربما يعني حرب على الإرهاب بالوكالة غير المعتمدة تقوم به دمشق لصالح أطراف كثيرة اكتوت بنار "داعش" وتتفق على لفظه جملةً وتفصيلاً.
(المصدر: الايام الفلسطينية 2016-04-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews