الإرادة السياسية العربية الغائبة
لم يأت الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي بجديد في خطابه الأخير أمام مجلس الجامعة عندما أعلن أن «غياب الإرادة السياسية هو المعوق الأساسي أمام الجامعة العربية لتقوم بدورها». بل نستطيع أن نقول بثقة إنه لم ينعقد لقاء جاد خلال القرن الحالي لبحث أوضاع الجامعة إلا وانتهى بتحميل «الإرادة السياسية الغائبة» مسؤولية تدهور هذه الأوضاع.
لذلك كان من الأفضل ألا يكتفي الدكتور العربي بالربط بين غياب الإرادة السياسية وبين شلل الجامعة بل أن يصارح الرأي العام العربي بالأسباب التي أدت إلى غياب الإرادة السياسية المطلوبة لنهوض «بيت العرب» كذلك كان من المستحب لو أنه خطى خطوات أوسع على طريق تقديم مقترحات لإصلاح الوضع الناشز.
المطلوب هنا ليس إصلاح وضع الجامعة نفسها. أي أن المطلوب هنا هو ليس تقديم صورة للجامعة كما نريدها أن تكون. فعلى هذا الصعيد قدمت مقترحات عديدة. من هذه المقترحات ما تقدمت به جهات رسمية، ومنها ما قدمتها هيئات مستقلة وغير رسمية. ومن هذه المقترحات ما توخى الشمول، ومنها ما ركز على قطاعات معينة. ومن هذه المقترحات ما انطلق من منظور «واقعي» يتصور الجامعة، في أحسن الحالات، رابطة ثقافية على غرار الكومنولث، ومنها ما انطلق من منظور فدرالي يتصور الجامعة «زولفرين» في طريق التحول إلى كيان سياسي واحد.
في سياق تقديم المقترحات والإجابة عن سؤال أي جامعة نريد؟ قام الدكتور العربي بالواجب منذ بداية عهده بالأمانة العامة. شكل «لجنة عليا رفيعة المستوى لإصلاح وتطوير الجامعة العربية». ولما اتفقت على مقترحات الإصلاح وبعد أن قدمتها إلى الأمين العام، رفعت إلى أرباب القرار لكي يتخذوا القرار النهائي بصدد مقترحاتها فماذا كان مصيرها؟ يستنتج المرء من خطاب الأمين العام الأخير أن مشروع إصلاح الجامعة هو ليس من أولويات الحكومات العربية.
يشمل هذا المشروع مقترحات تعديل ميثاق الجامعة العربية والنظام الأساسي لمجلس السلم والأمن العربي ومحكمة العدل العربية والمشاركة الشعبية في العملية السياسية على مستوى الإقليم العربي وبناء آليات تطوير العمل العربي المشترك.
وليس لدينا أدنى شك في أن تأجيل البت في هذه الأولويات قد يستمر إلى أمد غير محدد. فضلاً عن ذلك فإنه ليس هناك أية ضمانة في الموافقة على هذه المشاريع أو على البعض منها على الأقل. علاوة على كل ما سبق، فكيف لنا أن نتأكد من أن الإصلاحات المقترحة هي فعلاً في محلها؟ وإذا كانت كذلك فهل سعت الأمانة العامة إلى خلق مناخ مؤات على الصعيدين الرسمي والشعبي لتبني هذه المقترحات؟
للإجابة عن هذه الأسئلة علينا أن نأخذ أمرين بعين الاعتبار:
الأول، هو التدقيق في مقولة غياب الإرادة السياسية المؤاتية لعمل الجامعة. هذا الغياب يعرقل عمل الجامعة، كما أشار الدكتور العربي. ولكنه كان حرياً به أن يستكمل الصورة وأن يضيف إليها أنه في مقابل نقص هذه الإرادة، هناك إرادة سياسية حاضرة داخل الجامعة تتمثل في أولئك الذين يتطلعون إلى قيام شراكات إقليمية شرق أوسطية جديدة لا عربية، وأنهم كثيراً ما يستخدمون وجودهم داخل الجامعة من أجل تعطيل المبادرات الرامية إلى تعميق النظام الإقليمي العربي.
إن جذور هذه النزعة ترجع إلى المرحلة التكوينية للجامعة العربية. ففي تلك المرحلة تم الاتفاق على شروط الانتساب إلى هذه المنظمة، ولقد تلخصت بشرطين رئيسيين: الأول، هو أن تكون الدولة الراغبة في الانضمام إلى الجامعة عربية، والثاني، هو أن تكون مستقلة. ولكن كيف تستوفي الدولة إياها شروط الانضمام إلى المنظمة الإقليمية؟ بمعنى آخر، كيف تكون الدولة عربية؟ كيف تكون مستقلة؟
إن الجامعة العربية لا تملك اجابات دقيقة عن هذا السؤال تشبه تلك التي يقدمها، على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي. لقد كان الوصول إلى عضوية الاتحاد الأوروبي مشروطاً بتطبيق الدولة المعنية ما دعي ب «معايير كوبنهاغن». والتطبيق هنا لم يشمل عناوين وترتيبات فضفاضة يسهل التحايل فيها، بل كان ينص على خطوات محددة وإجراءات صارمة بغية الأوربة «الفعلية» للدول المرشحة للعضوية.
ولكن المطلوب هنا هو ليست مجرد مقترحات لإصلاح الجامعة يقدمها الأمين العام إلى مجلسها. المطلوب هو مقترحات يقدمها الأمين العام السابق، المستقل، الملتزم بالقضايا المصرية والعربية، المجرب وذو المعرفة الواسعة، إلى الرأي العام العربي حول علة غياب الإرادة السياسية التعاضدية بين الدول العربية وعن الطريق إلى إصلاح هذا الحال.
إن التدقيق في هذه العلة سوف يقودنا على الأرجح إلى معطى أشد إضراراً بالجامعة وتعطيلاً لنشاطها ولدورها من غياب الإرادة السياسية التكاملية. البحث الدؤوب سوف يقودنا إلى أن مشكلة الجامعة هي ليست في غياب التعاطف مع فكرة التكامل الإقليمي، بل هي أبعد من ذلك، إنها هيمنة النزعة المناهضة لفكرة التكامل على جامعة الدول العربية. وهذه النزعة لا تتجلى في إهمال الدول الأعضاء قرارات الجامعة وعدم تنفيذها.
إن هذا الإهمال قد يكون من باب السهو أو القصور العادي. ولكن إهمال تنفيذ القرارات يعود في كثير من الأحوال إلى موقف متعمد يرمي إلى تعطيل مشاريع التكامل الإقليمي من داخل الجامعة وليس من خارجها، وإلى إحباط كافة مشاريع الإصلاح التي عرضت على الجامعة ومنها إصلاح لجنة الإبراهيمي التي شكلها الأمين العام السابق.
(المصدر: الخليج 2016-04-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews