التجارة عبر الأطلسي تتحول إلى العالمية
الآن، بدأت المفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار، التي ربما تكون اتفاقية التجارة الحرة الأكبر في التاريخ. فهي في حال نجاحها تغطي أكثر من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتستأثر بحصص كبيرة من التجارة العالمية والاستثمار المباشر الأجنبي. وقد حددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هدفاً طموحاً يتمثل في إتمام المفاوضات بحلول نهاية عام 2014. ولكن من الثابت تاريخياً أن أغلب الاتفاقيات التجارية يستغرق إبرامها وقتاً أطول من هذا كثيرا.
إن حجم الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار هائل. فبانضمام كرواتيا في بداية تموز (يوليو)، يتكون الاتحاد الأوروبي الآن من 28 دولة، وكل من هذه الدول لديها مجموعة منفردة من المصالح الخاصة التي تمارس الضغوط بهدف تعزيز تجارتها أو حمايتها، استناداً إلى الميزة النسبية والتاريخ والقوة السياسية المحلية الفجة.
وتقوم اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية، مثل الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار، بالدور نفسه أيضا، غير أن بعض المكاسب قد تأتي على حساب الشركاء التجاريين الآخرين. وفي داخل كل بلد هناك أيضاً بعض الخاسرين، برغم المكاسب الصافية. وتتلخص أفضل طريقة للتعامل مع المخاوف الاقتصادية والسياسية والإنسانية التي تثيرها الاتفاقيات التجارية في وضع قواعد انتقالية مناسبة ودعم الدخول المؤقتة وإعادة التدريب، في مقابل الإبقاء على الحواجز الهادفة إلى الحماية.
وتنبع المكاسب المترتبة على مثل هذه الاتفاقيات من مجموعة متنوعة من العوامل، وأكثرها أهمية الميزة النسبية: فالدول تتخصص في إنتاج السلع والخدمات التي تتمتع نسبياً بقدر أكبر من الكفاءة في إنتاجها، وتبادل هذه السلع والخدمات بغيرها. وتشكل الاقتصادات الكبيرة الحجم وغير ذلك من العوامل أهمية كبيرة أيضا.
فمع انكماش نطاق تحرير التجارة، تتقلص الفوائد أيضا ـــ وبشكل أكثر من متناسب. وتبلغ التقديرات للمكاسب السنوية المترتبة على التطبيق الكامل للشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار نحو 160 مليار دولار للاتحاد الأوروبي و128 مليار دولار للولايات المتحدة. ويتوقع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إنشاء مليوني وظيفة جديدة. ومن المؤكد أن هذه الدفعة غير التضخمية للنمو في ظل اقتصاد عالمي ضعيف تأتي في الوقت المناسب تماما.
بيد أن الشيطان يكمن في التفاصيل حقا. فالتعريفات الجمركية متواضعة بالفعل، لذا فإن المكاسب المترتبة على خفضها إلى مستويات أدنى ستكون متواضعة أيضا. ومن الأهمية بمكان أن تُزال الحواجز غير الجمركية، مثل القواعد المحلية والقيود التي لا تستند إلى مخاوف مبررة علمياً فيما يتصل بالسلامة أو الصحة، على الرغم من الضغوط السياسية التي تهدف إلى الإبقاء عليها أو تشديدها. والواقع أن الحد من نطاق التجارة والاستثمار الذي تغطيه الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار من شأنه أن يقلل من الفوائد بشكل مماثل.
إن المفاوضات التجارية إما أن تصبح واسعة وعميقة أو ضيقة ومحدودة. فعلى سبيل المثال، سلكت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" المسار الأول، فنجحت في تعزيز التجارة إلى حد كبير بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. في حين تحركت نظيرتها، اتفاقية التجارة الحرة لجنوب آسيا "سافتا" ببطء في خفض التعريفات الجمركية وقائمة البنود المستبعدة، فوقعت الهند اتفاقيات تجارية حرة ثنائية مع بنجلادش وسريلانكا.
يجري الآن تقسيم اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار إلى 15 مجموعة عمل محددة. وبرغم أن المفاوضات جديدة، فإن القضايا التي تفصل بين الجانبين قائمة منذ فترة طويلة ومعروفة على نطاق واسع. ومن بين أكثر هذه القضايا صعوبة تلك القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الواردات من الأغذية المعدلة وراثيا، والتي تمثل مشكلة كبرى بالنسبة لقطاع الزراعة في الولايات المتحدة. ويشكل التنظيم المالي قضية أخرى صعبة، حيث تفضل البنوك الأمريكية القواعد المعمول بها في الاتحاد الأوروبي على الإطار الأكثر صرامة الناشئ في الولايات المتحدة "مثل فرض معايير رأسمالية أعلى كثيراً على البنوك الكبيرة، وهي المعايير التي اقترحتها الهيئات التنظيمية المالية في أمريكا أخيرا".
وتقف عدة خلافات أخرى خطيرة أيضاً حجر عثرة في طريق التوصل إلى اتفاق شامل. على سبيل المثال، تتمتع شركات الأدوية في الولايات المتحدة بتدابير أقوى لحماية الملكية الفكرية، مقارنة بشركات الأدوية في الاتحاد الأوروبي. وستصبح صناعة الترفيه مثيرة للجدال على نحو متزايد مع توزيع الأفلام على الإنترنت. وهناك أيضاً قانون جونز لعام 1920 الذي عفّى عليه الزمن، الذي يقضي بألا تشحن البضائع المنقولة بين الموانئ الأمريكية إلا على سفن أمريكية "ويحضرني هنا الارتباك الذي حدث إزاء احتمال قدوم سفن أجنبية للمساعدة أثناء تسرب النفط في الخليج من منشأة تابعة لشركة بريتيش بتروليوم". وتشكل التنظيمات الخاصة بالسلامة، والقيود المفروضة على السيطرة الأجنبية على الشركات العاملة في صناعات حساسة، نقاطاً خلافية إضافية.
إن الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار لا تدور حول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فحسب. فقد أبرمت المكسيك بالفعل اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وتتفاوض كندا على إبرام اتفاقية أخرى. وسيكون من الضروري عند مرحلة ما التوفيق بين اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية واتفاقية الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار.
(المصدر : الأقتصادية السعودية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews