وزارة لقطاع الأعمال العام
أخيرا لاحت فى الأفق بوادر توجه جاد نحو إحياء مشروعات قطاع الأعمال العام التى تعمل حاليا بربع طاقتها الكاملة. فرغم أن التصريحات الرسمية بشأن خطط تطوير وإعادة هيكلة قطاع الأعمال العام لم تتوقف على مدى أكثر من عامين، ورغم وجود برامج تفصيلية للتطوير أعدتها بيوت خبرة عالمية، إلا أننا ظللنا نشهد ما يشبه إضراب التباطؤ عن اتخاذ أى خطوة فعلية فى هذا الاتجاه. التعديل الوزارى الجديد تضمن فصل مشروعات قطاع الأعمال العام عن وزارة الاستثمار ليصبح هناك وزارة مستقلة معنية بأمر تلك المشروعات.
المؤسسات المملوكة للدولة لا تزال تمثل ركنا أساسيا فى الاقتصاد المصري. البيانات الرسمية تشير إلى أنه رغم كل ما تعرضت له هذه المؤسسات من تخسير وخصخصة وتصفية على مدى العقود الماضية، فإنها لا تزال بأشكالها المختلفة تسهم بأكثر من 34% من الناتج المحلى الإجمالي. قانون ربط الموازنة العامة يؤكد أيضا أن الحكومة قد استنجدت بالمؤسسات المملوكة للدولة للحصول على إيرادات إضافية للخزانة العامة خلال السنة المالية الحالية تبلغ جملتها 102 مليار جنيه، وتمثل قيمة تلك المبالغ نحو 52% من جملة الإيرادات العامة غير الضريبية.
القطاع العام يمثل فى حقيقة الأمر أحد الأسلحة الهامة التى تستند إليها الدولة القومية فى أوقات الحروب وأوقات الأزمات. مشكلتنا أن سياسات تصفية القطاع العام أضعفت هذا السلاح. صحيح أن الدولة تحاول توفير البديل الموضوعى عبر المؤسسة الاقتصادية للجيش، إلا أن هذا لا يكفى ولا يمكن أن يغنى عن استعادة كفاءة وقوة المشروعات المدنية العامة، خاصة وأن هذه المشروعات موجودة بالفعل ومشغلة بما يتراوح بين 20% و 25% فقط من طاقتها الكاملة. نحن فى حاجة إلى إحياء مشروعاتنا العامة جنبا إلى جنب مع تشغيل مصانع القطاع العام المتوقفة كى نضمن توفير السلع والخدمات الأساسية التى نحتاج إليها، بدلا من الاستيراد. إعادة هيكلة مشروعات القطاع العام تمثل سبيلا رئيسيا لتخفيض عجز ميزان التجارة من ناحية، وتوليد فائض وإيرادات ضريبية تؤول للخزانة العامة وتسهم فى تخفيض عجز الموازنة العامة من ناحية ثانية، وهو ما يؤدى إلى زيادة المدخرات المتاحة للاستثمار وتخفيض معدلات البطالة من ناحية ثالثة.
إحياء المشروعات الاقتصادية المملوكة للدولة يتطلب إدارة مؤمنة بدور تلك المشروعات العامة كسلاح للدولة فى معركة الوجود التى تخوضها مصر، إدارة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والقدرة على الإنجاز. يكفى للتدليل على طبيعة العقلية التى تدير منظومة قطاع الأعمال العام أن نشير إلى إعلان فى إحدى الجرائد القومية الكبرى منذ أقل من أسبوعين يطلب «رؤساء مجالس إدارات لشركات قطاع أعمال عام» ويطلب من الراغبين تقديم سيرتهم الذاتية. هكذا، بدون تحديد لمجالات العمل أوالتخصصات المطلوبة أوالمسئوليات المنوطة بالمنصب فى كل شركة، ودون تحديد لأى مواصفات أو مؤهلات أو خبرات يشترط توافرها فى المتقدمين لشغل هذه المناصب... وكأنما الأمر مجرد سد خانة! الإعلان فى حد ذاته فضيحة إدارية ومؤسسية من الدرجة الأولي. مجرد نشره يؤكد أن الخطوة الأولى لإعادة هيكلة القطاع العام هى تغيير القيادات والعقليات القائمة على إدارته. نريد إدارة ذات كفاءة قادرة على قيادة العمل. نريد قطاعا عاما قويا وقادرا على المنافسة مع القطاع الخاص المحلى والأجنبى وغير محمل بأى أهداف اجتماعية. الأهداف الاجتماعية تتولاها الموازنة العامة للدولة من خلال سياسة الدعم والتحويلات.
تحديث وتطوير وإحياء مشروعات القطاع العام وتشغيلها بطاقتها الكاملة يحتاج بالطبع إلى موارد مالية ضخمة. أول خطوة على هذا الطريق أن تكف الخزانة العامة عن تجريد مشروعات قطاع الأعمال العام من فوائضها وأرباحها المحتجزة. لا يعقل أن يعلن وزير الاستثمار السابق أن الخزانة العامة ستحصل على توزيع ثان لفوائض أرباح شركات قطاع الأعمال العام، فى حين أن هناك حاجة ملحة لتلك الموارد للبدء فى تنفيذ أى خطة جادة لإعادة الهيكلة المالية والإدارية لهذه المشروعات. وحيث إن الفوائض والأرباح المحتجزة لا تكفى وحدها للوفاء بالاحتياجات المالية الضخمة للتحديث والتطوير فإن الباب مفتوح لعديد من الآليات الأخري، لعل فى مقدمتها إمكانية اللجوء إلى الاكتتاب الشعبي، سواء بطرح سندات أو أسهم يكتتب فيها المواطنون. إلا أن هناك فرقا بين طرح السندات الذى يمثل اقتراضا لأموال يتم سدادها بعد فترة محددة وبين طرح أسهم لزيادة رأس المال والذى يمثل مشاركة فى ملكية المشروع. فى حالة الأسهم يجب وضع حد أقصى للزيادة التى سيتم طرحها، بحيث لا تمثل إلا نسبة أقلية من رأسمال الشركة ككل، كما يوضع حد أقصى للمكتتب الواحد، فلا نفاجأ بأن هناك مستثمرا فردا يملك حصة مؤثرة من رأسمال الشركة.
إحدى الآليات الأخرى يمكن أن تتمثل فى استغلال الأراضى المملوكة لشركات ومصانع قطاع الأعمال العام، بما فى ذلك إمكانية نقل المصانع والمخازن التى صارت تقع فى قلب الكتلة السكنية والحصول على مساحات بديلة فى مواقع أخري، واستخدام فرق القيمة لثمن الأرض الأصلية فى تعزيز القاعدة الرأسمالية للشركات وإقامة مصانع جديدة متطورة والدخول فى استثمارات جديدة معززة ومكملة للأنشطة الصناعية الأصلية، فى إطار مجتمعات صناعية متكاملة، على غرار مجمع الألومنيوم بنجع حمادي.
إعادة إحياء قطاع الأعمال العام ضرورة ملحة، وتجربة تطوير بنوك القطاع العام تؤكد أنه لا يوجد مستحيل.. فقط مطلوب الإرادة والجدية.
(المصدر: الأهرام 2016-03-27)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews