40 دولارا للنفط .. الأسعار قد تؤذي نفسها بيدها

مديرو المحافظ الاستثمارية عادةً ما يستشهدون به باعتباره أكبر مخاوفهم، لكن الانتعاش السريع في أسعار النفط أثار فجأة السؤال التالي: هل ارتفاع أسعار النفط الخام يعتبر خطراً؟

الارتفاع الحاد في أسعار النفط أدى إلى تعويم أسهم وسندات مجموعات الطاقة في الولايات المتحدة منذ منتصف شباط (فبراير) وأقنع المستثمرين بفتح محافظهم وإقراض شركات الحفر في قطاع النفط والغاز.

والآن يُحذّر بعض المستثمرين من أن الصعود المذهل ربما جعل السوق تتقدّم على الأساسيات، بالنظر إلى أن وفرة العرض قد لا تخف حتى عام 2017. وتبقى المشاعر هشّة لأن المخاطر القائمة، المرتبطة بإعادة تقييم الأسعار بمستويات منخفضة، لا تزال مستمرة. ويُنظر إلى مزيد من الضعف في أسعار النفط على أنه سيؤدي إلى ارتفاع التقلبات التي ستمتد إلى أسواق السندات والأسهم.

وظلت حالات الإعسار في القطاع ترتفع بثبات هذا العام، ووصلت إلى 10 في المائة في آذار (مارس)، صعودا من 8 في المائة في شباط (فبراير). وقبل عام، بلغ معدل الإعسار السنوي في الـ 12 شهرا الماضية 0.9 في المائة، وذلك وفقاً لبيانات من وكالة فيتش. ويتوقع محللون في وكالة التصنيف الائتماني أن يزيد العجز أكثر، ليقترب من 20 في المائة بحلول نهاية عام 2016.

ومنذ الآن تجاوز العجز 14.1 مليار دولار هذا العام، ليقترب من العجز البالغ 17.5 مليار دولار الذي شهدناه طوال عام 2015.

يقول جيف سيتزمان، الذي يُشارك في إدارة صندوق بفالو هاي ييلد، الذي لا يزال على نطاق واسع يتجنب قطاع الطاقة "مع الاستمرار في تداول أسعار النفط الخام بمستوى 30-40 دولارا، فإن هذا لا يزال يوحي بأن كثيرا من شركات التشغيل ستُعاني، ومن المرجح أن تُفلس".

جاك فلاهيرتي، مدير الاستثمار في شركة جام، يقول "إن أحد أكبر مخاوفه هو أن الارتفاع الطفيف في أسعار النفط الخام يُمكن أن يُغري شركات إنتاج منخفضة التكلفة بالعودة إلى السوق، ما يؤدي إلى تفاقم العرض المُفرط الذي تُعانيه شركات الطاقة".

التحذير نفسه سُمع من "جولدمان ساكس" الذي أخبر عملاءه أخيرا أن سعر النفط القريب من 40 دولارا للبرميل يُمكن أن يُثبت أن الأسعار "تؤذي نفسها بيديها"، لأن هذا المستوى يمكن أن يُشجّع شركات الإنتاج في الولايات المتحدة على إعادة تشغيل المضخات.

تقول ليزلي بيديل، الشريكة في شركة سيرينجيتي لإدارة الأصول "أنا قلقة من أن شركات الإنتاج الأمريكية ربما تشعر (بالإغراء) للإنتاج مرة أخرى، الأمر الذي يُطيل من ديناميكية العرض المُفرط، وهذا الارتفاع القليل سينهار فقط".

مثل هذه المخاوف تنتشر عبر السوق. يقول سابور مويني، وهو مدير محفظة استثمارية ذات عوائد مرتفعة في شركة بايدين آند ريجيل "الأساسيات في سوق النفط لم تتغير. لا يزال هناك كثير من العرض، وكثير من المخزون. هناك احتمال أن يأتي مزيد من المخزون من إيران. ومنظمة أوبك لا تُخفّض الإنتاج".

تجديد التركيز على الأساسيات التي تقوم عليها سوق النفط ربما يوقف الانتعاش الأخير لشركات الطاقة في أسواق السندات والأسهم.

العلاوات الإضافية التي يطالب بها الآن المستثمرون من أجل اقتناء سندات أخطر شركات الطاقة الأمريكية، زيادة على عوائد سندات الخزانة الأمريكية، المعروفة بأسعار الفائدة الخالية من المخاطر، تقلّص بواقع الثُلث تقريبا خلال شهر واحد فقط بعد وصوله إلى مستوى قياسي في 11 شباط (فبراير)، وفقاً لبيانات من "بانك أوف أمريكا ميريل لينش".

وارتفعت أسعار كثير من أسهم شركات الطاقة أعلى من أدنى مستوياتها لهذا العام. وصعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لقطاع التنقيب والإنتاج، الذي كان قد تراجع بنسبة 21.8 في المائة للعام في 20 كانون الثاني (يناير)، ليصل إلى 24.9 في المائة. في حين ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع بنسبة 8.5 في المائة فقط خلال الفترة نفسها.

وعمل الارتفاع في أسعار النفط من أدنى مستوياتها في شباط (فبراير) على جعل شركات الطاقة - خاصة تلك التي تملك ميزانيات عمومية ضعيفة، ما أدى إلى تجنّبها في وقت سابق من عام 2016 - تبدو أكثر جاذبية. بعد ذلك تسارَع الارتفاع بسبب دخول المستثمرين إلى السوق على أمل عدم تفويت أي أرباح، وهناك آخرون اضطروا إلى تغطية مواقع البيع على المكشوف.

تقول بيديل "الجميع يريد القول إنهم اشتروا بأرخص الأسعار".

وارتفعت أسهم شركة تشيزابيكي إينرجي بنسبة 84 في المائة على مدى ثلاثة أيام في آذار (مارس) الجاري، في حين إن السندات التي أصدرتها المجموعة المُثقلة بالديون، والمُستحقة في عام 2022، ارتفعت ثلاثة أضعاف عن مستوى متدن هبطت إليه في شباط (فبراير).

المستثمرون الذين يحتفظون بسندات باعتها "وايتنج بتروليوم" و"دانبوري ريسورسيز" و"أويساس بيتروليوم" و"كونتيننتال ريسورسيز" ارتفعت، مع عكس سندات شركة كونتيننتال المُستحقة في 2022 خسائر مُسجّلة في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير).

واستطاعت شركة أناداركو بتروليوم تأمين ثلاثة مليارات دولار لإعادة تمويل بعض سنداتها المُستحقة في عامي 2016 و2017. وجاء البيع بعد صفقتي سندات بمليارات الدولارات من "إكسون موبيل" و"كونكو فيليبس"، بسبب إعادة انفتاح السوق مرة أخرى على شركات الطاقة من الدرجة الاستثمارية ذات التصنيف الأعلى.

وما إذا كان المستثمرون يرغبون في مساعدة الشركات ذات التصنيف الخطير على إعادة تمويل سنداتها، فإن هذا لا يزال أمراً يدعو إلى التساؤل، لأن انعدام التوازن بين العرض والطلب يُخيّم على السوق.

(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-03-26)