في انتظار انفتاح إيران
يلمس البعض ملامح تغيير في إيران، مستدلين عليها بهزيمة بعضٍ من قيادات المتطرفين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويعيدون أسبابها إلى الاتفاق النووي مع الغرب. وعند فحص ما طرأ تحت عدسة ميكروسكوب، لأنها تغييرات صغيرة، سنجد أن قبضة المتشددين قويت وليس العكس. تأثيرات الاتفاق السياسية أو الحكومية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المنتظرة لا نجد لها أثرا بعد، وخروج اثنين متشددين من كبار المحافظين في الساحة الداخلية لا يعني شيئا، لأن عددهم كبير في قيادات الدولة، وسبق أن خرج بعضهم ولم يتغير السلوك ولا السياسات.
وهذا ما أكده عدد من المختصين في الشؤون الإيرانية ممن اجتمعوا في أبوظبي، وشاركوا في حديث الطاولة المستديرة التي عقدها مركز الإمارات للسياسات هذا الأسبوع، حول «تحولات المشهد السياسي في إيران على ضوء الاتفاق النووي والانتخابات التشريعية». نعم، هناك توق شعبي كبير للانفتاح والتعامل مع العالم، وإنهاء حالة الحصار الذاتية التي يمارسها النظام الإيراني على شعبه منذ قيامه قبل أكثر من ثلاثة عقود، لكن النظام المتطرف يخشى أن في الانفتاح نهايته، وسيحارب للإبقاء على الوضع القديم، مع تحسين للأوضاع المعيشية ما أمكنه تحسينها. فهو يمسك بكل مصادر القرار، والثروة، ويسيطر على حركة السوق، ولم يعد هناك «بازار»، كما كان يوجد في عهد الشاه.
وكما نوه أحد المتحدثين فإن الحرس الثوري يسيطر على 69 ميناء ومركزا بحريا، وجميعها يستورد ويصدر من خلالها دون أن يدفع ضرائب أو رسوما للدولة. وقد ضم الحرس الثوري تحت سلطته الكثير من المؤسسات الاقتصادية، بما فيها مصافي البترول، والشركات الحكومية الكبرى. وبالتالي فإن الانفتاح الاقتصادي لن يتم مع اقتصادي حقيقي، خاص أو عام، بل مع مؤسسات حكومية لا علاقة لها بمفهوم السوق.
ومن خلال مراجعة عدد من تجارب الانفتاح السابقة فإن أفضلها حظا استغرقت وقتا طويلا قبل أن تثمر نتائج اقتصادية أو سياسية. فالصين التي تبنت مفهوم الباب المفتوح بعد توقيعها اتفاقها التاريخي مع الولايات المتحدة في السبعينات، ظل بابها مغلقا لنحو عشرين عاما لاحقًا، قبل أن يلمس العالم ثمار تغييرات اقتصادية داخلية حقيقية. أما موسكو التي قبلت بالانفتاح في منتصف الثمانينات، بوصول غورباتشوف للحكم، فإنها بعد ست سنوات انهار النظام القديم، وتفكك الاتحاد السوفياتي إلى 15 جمهورية.
من المبكر تلمس التبدلات في العاصمة الإيرانية، وهناك توجس مبكّر من فكرة التصالح مع الغرب والانفتاح على العالم، وقد عبرت الكثير من الشخصيات العليا عن عزمها على مناهضة أي تغيير داخلي. ومن المتوقع، كما هو الحال في الأنظمة الشمولية، السماح بالمنافع الاقتصادية فقط للطبقة الحاكمة، وتعزيز قدراتها في المجتمع لمقاومة أي زلازل قد تحدث تحت أقدامهم نتيجة تبدل شعارات الصراع، والحجر على قوى جديدة تحاول الصعود والمنافسة.
(المصدر: الشرق الأوسط 2016-03-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews