ماذا لو لم يكتشف البترول في المنطقة العربية؟
عنوان المقال هو سؤال برز في ذهني وأنا أتابع التراشق بالألفاظ بين اللبنانيين حول علاقاتهم مع العرب الآخرين، خاصة في دول الخليج العربي. حقا هل خطر ببالك أيها القارئ الكريم ماذا ستكون عليه المنطقة لو لم يكتشف البترول ويُستفد منه في دفع عجلة التنمية في المنطقة العربية عموما والخليجية خصوصا؟ هل ستكون صحاري ومناطق فقيرة يهاجر أهلها للعمل في أوروبا وشرق آسيا؟ أم أنهم سيبتكرون سبلا أخرى لتحسين أوضاعهم المعيشية ورفع مستوى تنافسيتهم الاقتصادية؟ والسؤال الأهم ما إسهام البترول العربي في تنمية لبنان على وجه الخصوص؟
لا يستطيع الإنسان التكهن بدقة عما ستؤول إليه المنطقة على افتراض أنها كانت محرومة من الموارد الطبيعية، خاصة البترول والغاز. هناك عدد من السيناريوهات التي يمكن التكهن بها. الأول أن تعيش المنطقة في حالة فقر ومعاناة شديدة من قلة الغذاء وشظف العيش، ما يجعلها تعتمد اعتمادا كليا على الهبات من الدول المتقدمة مقابل استخدام أراضيها للتخلص من مخلفات الصناعة خاصة المخلفات النووية الخطرة، إلى جانب استغلال القوى العاملة الرخيصة من خلال نقل المصانع التي تعتمد على كثافة الأيدي العاملة إليها. وبالتأكيد لن يكون هناك تنمية زراعية بالمستوى الحالي، بل ستكون مزارع تقليدية صغيرة في الواحات وبطون الأودية، ولن تستطيع الموارد الشحيحة تحمل التزايد السكاني السريع، ما سيؤدي إلى تدفقات سكانية للمناطق المجاورة في اتجاه الشمال. وليس ببعيد الاحتمال ألا يختلف وضع كثير من الدول خاصة دول شبه الجزيرة العربية عن معاناة الصومال واليمن في الوقت الحاضر. ومن الاحتمالات الأخرى أن تنشأ دول منافسة تستثمر في رأس المال البشري، وتطور نظمها التعليمية، كما هو الحال بالنسبة لليابان وكوريا، ومن ثم تنافس بمنتجاتها الصناعية والتقنية والمعرفية المتنوعة على المستوى العالمي، ولكن احتمالية حدوث هذا السيناريو ضعيف، أخذا في الاعتبار طبيعة النظم التعليمية والخلفيات المهنية الزراعية والرعوية للمجتمعات العربية، وكذلك تخلف النظم السياسية السائدة.
هذه الافتراضات تقودنا إلى أن تأثير البترول في تنمية المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج كبير جدا من خلال تنقلات القوى العاملة العربية وتشغيلها بأعداد كبيرة جدا، وما ينتج عنها من ثم تخفيف حدة البطالة في البلدان غير البترولية، إلى جانب التحويلات النقدية التي تسهم في تنمية تلك البلدان وتحسين مستويات المعيشة بها، فعلى سبيل المثال هناك 580 ألف لبناني يعمل في دول الخليج العربية. كما أن جزءا من إيرادات البترول (بالمليارات) تذهب كاستثمارات في الدول غير النفطية، فبناء على تصريح رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في لبنان، فإن نحو 80 في المائة من الاستثمارات الأجنبية في لبنان "خليجية"، ونصفها لمستثمرين سعوديين. إضافة إلى ذلك، فقد أوجدت إيرادات النفط أسواقا استهلاكية في دول الخليج العربية استوعبت كثيرا من صادرات الدول العربية غير النفطية، فعلى سبيل المثال، نحو 75 في المائة من الصادرات الزراعية اللبنانية تصدر للخليج، كما أن 53 في المائة من الصادرات الصناعية اللبنانية تجد طريقها لدول الخليج العربية. كما أن الدول البترولية العربية تولي اهتماما كبيرا للدول العربية النفطية، ويتجلى ذلك في كثير من المشاريع التنمية والإعانات النقدية والمساعدات الخيرية التي تنطلق من وشائج الأخوة العربية دون منة، لدول عربية كثيرة مثل: لبنان وسورية والأردن وفلسطين ومصر والسودان والمغرب، فمثلا قدمت المملكة العربية السعودية 252 مليار ريال خلال الفترة (1990-2014)، توزعت على دول كثيرة فكان من نصيب مصر أكثر من 24 مليارا، واليمن أكثر من 14 مليارا، والأردن 11 مليارا، والمغرب ستة مليارات، وفلسطين سبعة مليارات، والسودان مليارين.
لا يسمح الحيز المخصص لهذا المقال بعرض مزيد، ويتضح أن النفط العربي أسهم في تنمية الدول العربية عموما بشكل مباشر وغير مباشر من خلال استيعاب الفائض من العمالة، ومن ثم تنمية الدول غير النفطية من خلال تحويلات العمالة، وكذلك الاستثمارات، ونشوء أسواق لاستيعاب جزء كبير من المنتجات الزراعية والصناعية للدول غير النفطية، وكذلك ازدهار السياحة، إضافة إلى المساعدات التنموية والنقدية التي تتلقاها تلك الدول.
(المصدر: الاقتصادية 2016-03-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews