الإسرائيليون في سماء سوريا
يقود إسرائيل في الحرب الدائرة على سوريا مبدأ واحد يتمثل بأنها تمتلك الحرية لتقوم بما يلزم من توجيه ضربات وقائية أو استباقية ضد أهداف في سوريا للحفاظ على أمنها، ولا تخفي إسرائيل هذا المبدأ إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون إن روسيا والولايات المتحدة تعرفان جيدا هذا المبدأ الإسرائيلي وتوافقان عليه.
واللافت أن موشيه يعلون صرح بحرية إسرائيل في العمل في سوريا وهو على متن المدمرة الأمريكية "يو إس إس كارني" التي ترسو في ميناء حيفا.
منذ بدء الأزمة السورية لم تتوان إسرائيل عن توجيه ضربات بسلاح الجو لأي تحرك ترى بأنه يمكن أن يكون كاسرا للتوازن في جنوب لبنان، وبناء على ذلك شنت الطائرات الإسرائيلية الغارات المتعددة وضربت في قلب سوريا في حين اكتفى نظام بشار بردود لفظية على شاكلة أن سوريا سترد في التوقيت والمكان المناسبين، وهذه العبارة التي يرددها النظام السوري على مدار أربعة عقود ما هي إلا تعبير مخفف للعجز عن مجرد التفكير في الرد على إسرائيل، والإسرائيليون يعرفون ذلك.
قبل أيام قليلة شنت طائرات إسرائيلية غارة ضد أهداف في سوريا وعادت إلى قواعدها سالمة، وما من شك أن القوات الروسية في سوريا على علم بهذه الغارة لكن روسيا لم تحرك ساكنا لأن دخولها إلى سوريا لم يأت بتوافق مع بشار الأسد فقط بل بتوافق مع الحكومة الإسرائيلية التي اشترطت حرية العمل في سماء سوريا وهو أمر لم يملك بوتن إلا أن يوافق عليه خوفا من الاشتباك مع سلاح الجو الإسرائيلي المتطور.
الرئيس بوتن يقيم وزنا للموقف الإسرائيلي ويحسب له ألف حساب، لذلك أجرى اتصالا هاتفيا مع نتنياهو يطلعه على تفاصيل خطة وقف إطلاق النار واتفق الطرفان على ترتيب لقاء قريب بينهما، فروسيا تسعى بقوة لتحسين علاقاتها بتل أبيب وترى في ذلك مصلحة روسية وهو أمر لا يدفع إيران ولا نظام بشار في مجرد إعادة النظر في نظريتهما الضعيفة بأن ما يجري في سوريا من ثورة إنما من صنع إسرائيل والولايات المتحدة، فروسيا لا تشاركهما هذه النظرة ومستعدة لتعميق علاقاتها مع إسرائيل ضاربة بعرض الحائط كل التصريحات اللفظية لقادة إيران والأسد ومن يقف خلفهما. ويكفي أن نشير إلى قرار الرئيس بوتن بتأجيل تسليم إيران صواريخ إس ٣٠٠ بعد أن تحدث نتنياهو على أن سيناريو بقاء الرئيس الأسد سيكون مقلقا لإسرائيل، وهو تصريح فهمه بوتن جيدا وعمل مباشرة بشكل لا يزعج إسرائيل.
بدا لافتا في الآونة الأخيرة أن بوتن براغمتي بشكل كبير، فهو لا يغامر إلا بشكل محسوب وأنه بهذا المعنى قابل للردع، فعندما صرحت كل من تركيا والسعودية بإمكانية التدخل البري في سوريا وافق الرئيس بوتن على وقف إطلاق النار واستثنى بعض الفصائل مثل أحرار الشام من التصنيف الإرهابي الذي تتبناه روسيا خدمة لبقاء الأسد. والراهن أنه لولا التواطؤ الأمريكي مع التدخل الروسي لما فكر بوتن من أن يطلق علمية عسكرية بهذا الحجم، ومن هنا يمكن فهم الطريقة التي فكر بها بوتن والقائمة على معادلة الربح والخسارة واستغلال الفراغ إن لم يكن ذلك مكلفا بالنسبة لروسيا.
وعودة للبداية، تدخلت روسيا في سوريا عسكريا بعد أن توصلت إلى تفاهم مع إسرائيل يسمح بتنسيق عسكري يمنع من اصطدام الطرفين فوق سماء سوريا لكن يعطي إسرائيل حرية العمل في سماء سوريا.
اللافت أن كل ذلك يحدث مع موافقة ضمنية من قبل إيران ونظام الأسد اللذين استخدما فزاعة المؤامرة على سوريا كذريعة للانقضاض على الشعب السوري.
وعلاوة على ذلك توقفت موسكو عن توجيه أي انتقاد لما تقوم به إسرائيل من ممارسات وحشية ضد الفلسطينيين في غزة وفي الضفة والقدس.
إسرائيل التي ترى في استمرار الأزمة بين لا غالب ولا مغلوب أمرا يصب في مصلحتها ويمنحها فرصة إستراتيجية ذهبية للاستمرار في استكمال حلقات مشروعه الصهيوني الاحتلالي في فلسطين التي قد تعيد حساباتها في قادم الأيام، وهناك من بين الإسرائيليين الذين رأوا في بقاء الأسد ضعيفا تطورا مساندا لبيئة إستراتيجية تريح إسرائيل بدأوا في إعادة حساباتهم وهو أمر سيكون له تداعيات على موقف موسكو من الأزمة. فموسكو تعرف جيدا أن نجاح مشروعها في سوريا لا يعتمد فقط على القوة العسكرية بل على تواطؤ الأطراف الرئيسية التي لا تريد إثارتها قبل أن تحقق نصرها المنتظر في سوريا. وإلى أن يحدث ذلك فإن إسرائيل ستتمتع بحرية العمل في سماء سوريا ولا تعتبره روسيا اعتداء على سوريا!
(المصدر: الشرق القطرية 2016-02-26)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews