المتطرفون الإسلاميون وانتهازية الأسد
بات الشعب السوري تحت النار ومن مختلف الجبهات ، حتى تلك التي تدعي أنها صديقة ، ففي الوقت الذي تستمر فيه القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها وقوات حزب الله وغيرها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال تنفيذ هجمات واسعة النطاق ضد السكان المدنيين واللجوء إلى القصف العشوائي والقتل والتعذيب والاختفاء القسري والعنف الجنسي والحصار الممنهج للمدن التي يُنظر لها على أنها مناهضة للنظام و تهجير السكان المحليين وغير ذلك من أفعال، تقوم بعض فئات المعارضة المسلحة من أمثال ( جبهة النصرة ) و( دولة العراق والشام الإسلامية ) بمحاصرة بلدات ومناطق كان آخرها في حلب ، بذريعة أن النظام يسيطر عليها ، فتقوم بمنع إدخال مستلزمات الحياة الأساسية للسكان ، غير آبهة بأن المحاصرين هم سوريون مغلوب على أمرهم ، ومتناسية بأنهم - المقاتلين الأصوليين - جاؤوا إلى سوريا من أجل تحرير هؤلاء والدفاع عنهم ، وإذ بنا نفاجأ بأنهم يمارسون نفس ما يمارسه الأسد ضد المدنيين من قمع وتجويع ، وما يدعى " محاكم شرعية " تقوم بالتنكيل بالناس على الشبهة ، وبارتكاب التعذيب والحبس والإعدام أحيانا ، والقصص التي سمعناها وشاهدناها عن سلوكيات وأفعال هذه الجماعات كثيرة .. دون أن ننسى - مرة أخرى - أنها هي التي طرحت نفسها كمعارضة مسلحة ضد نظام الأسد وضد الظلم والاستبداد ، وإذ بها تمارس استبداداً أشد وأنكى وتنشر ظلماً أقسى وطأة وأكثر إيلاماً !.
لقد وجد نظام الأسد الدموي الفرصة سانحة لترويج مزاعمه في أنه يحارب أصوليين ومتشددين ومتخلفين ، مُسلطاً الضوء على ممارسات هذه الفئة وخطرها على وحدة المجتمع السوري .. مع أن تصرفات هذه الجماعات الأصولية لا تقاس - بالمطلق - بما يرتكبه الأسد من مذابح يعجز الوصف عن تصويرها والحروف عن كتابتها ، حيث لا يكاد يخلو بيت سوري مع أول أيام شهر رمضان الفضيل من مقعد فارغ لأحد أفراد الأسرة السورية ، سواء كان شهيداً أو معتقلاً أو منفياً .
ومثل هذه الشمولية التي يعتمدها نظام الأسد في وصفه مقاتلي الجيش الحر والكتائب المسلحة المعتدلة ، والتي نجح في إيصالها إلى الاعلام والرأي العام العالمي ، تخفي خبثا وتجنياً على الواقع ، هدفه خلق رؤى ضبابية تضيع فيها الحقيقة وتتوزع المسؤولية ، وبالتالي تجد العصابة الحاكمة في دمشق منفذا للتنصل من جرائمها وفظائعها ضد السوريين البسطاء المسالمين من ضحايا القصف بالسلاح الكيماوي وبالطائرات ومدفعية الميدان والدبابات وراجمات الصواريخ وغيرها من الأسلحة الثقيلة التي لم تميز بين عسكري ومدني أو بين مسلح وأعزل ومريض ، وطوابير المخابز والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والصحفيين ، ولا ننسى المناطق والمدن التي استُهدفت معالمها وقلاعها وحصونها التاريخية ومساجدها وكنائسها وكل التراث العالمي الإنساني فيها وما حولها .. ولا يغيب عن الذهن المدارس التي إما دُمرت أو استخدمها النظام كثكنات عسكرية .
هو تدمير ممنهج .. شامل ، يضرب بلا رحمة ، ودون أن يرف لمرتكبيه جفن ، أو يخفق قلب !.
النظام الأسدي اليوم ، يجني ثمار سنوات طويلة من التنسيق الأمني الاستخباراتي مع الدول الغربية التي نجح في إخافتها من شبح وهمي اسمه البديل الاسلامي .. وبذريعة هذا البديل ، يقوم بارتكاب أشنع جرائم الإبادة تحت سمع العالم وبصره ، لكن الشعب السوري لا ينتظر من المجتمع الدولي شيئاً وقد خرج الجمعة الفائتة في مظاهرات مندداً رافضاً هذه الجماعات المتشددة داعياً إلى طردها من أراضيه.
إن الظلم والقهر وازدواجية المعايير هي الرحم الذي خرج منه هذا التطرف الديني والذي سيلفظه المجتمع السوري ، فهو وجودٌ مؤقت وعارض على التاريخ والتراث والشعب السوري العظيم ، ولكن الأسد " لعبها صح " وها هي انتهازيته تؤتي أكلها بترك السوريين يذبحون أمام سمع العالم وبصره .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews