أسعار النفط وإرهاصات خفض الإنتاج
أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك الاثنين الماضي أن كبار منتجي النفط في العالم قد يدرسون “خطوات أخرى” لتصفية تخمة المعروض بالأسواق العالمية في حالة نجاح اتفاق أولي لتجميد الإنتاج لعدة أشهر. وجدد البدري التأكيد على استعداده للعمل مع منتجي النفط من داخل أوبك وخارجها لتصريف تخمة المعروض العالمي التي خفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات،”
يبدو أن بعض حكومات بلدان المنطقة من كبرى منتجي النفط والأعضاء الرئيسيين في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، قد بدأت تقتنع بأن تراجع الايرادات المالية بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية يمثل مشكلة حقيقية لها. كما هو الحال بالنسبة لكل دول العالم التي تعتمد في ايراداتها بشكل كبير على صادرات النفط. وأنه مهما كان لدى تلك الحكومات من صناديق مالية احتياطية، فإن تلك الموارد لن تلبي ـ أو على الأقل لن تستمر تلبي لفترة مقبلة ـ متطلبات الانفاق لديها بعدما قفزت معدلات الانفاق فيها جراء الانفاق الكبير الذي تم في الفترة الأخيرة، مواكبة للارتفاع الكبير في أسعار النفط، من قبيل إطلاق مشروعات والتوسع في التوظيف الحكومي وزيادة المرتبات وغيرها من الانفاق. والأهم من كل ذلك زيادة الانفاق العسكري بشكل غير مسبوق لعدد من بلدان المنطقة ولاسيما تلك المشتركة في صراعات عسكرية في المنطقة كما هو الحال في سوريا واليمن وإلى حد ما في ليبيا. فضلا عن سباق التسلح لمجاراة إيران سيما بعد سريان الاتفاق النووي بينها وبين القوى الدولية مؤخرا، بحيث باتت هناك حكومات خليجية ترى أن الولايات المتحدة قد انحازت لإيران وتخلت عنها وعن حمايتها. وهو ما ترتب عليه الضغط الكبير على ميزانياتها بشكل دفعها الى اتخاذ اجراءات تقشفية مثل خفض الانفاق الحكومي ووقف مشروعات كان مخططا لها والغاء دعم أسعار الوقود وغير ذلك من الاجراءات.
وطالما كانت أوبك، ترفض خفض إنتاجها سعيا لإعادة الاستقرار إلى الأسعار. واعتبرت دول في المنظمة أن قرار الخفض المنفرد للإنتاج سيؤدي إلى فقدانها حصتها من الأسواق، ولن يساهم في انتعاش الأسعار إن لم تتخذ الدول المنتجة من خارج المنظمة خطوة مماثلة.
ومن ثم فقد بدأ الاقتناع بأن التخمة في المعروض من الخام تمثل مشكلة يجب العمل على معالجتها. ومن هنا كانت تحركات كبرى البلدان المنتجة للنفط من أجل العمل على تنسيق المواقف في أمر خفض الانتاج ومحاولة تنحية البعد السياسي وتغليب البعد الاقتصادي في هذا الأمر، والذي كان بدوره مطلبا واضحا للمحللين والباحثين والمعنيين بسوق النفط في الأونة الأخيرة. ويأتي في مقدمة تلك البلدان التي تتحرك بقوة من أجل اقناع كبار مصدري النفط بالاتفاق على خفض الانتاج، فنزويلا التي تمتلك أضخم احتياطيات نفطية في العالم والتي تنتج 2.9 مليون برميل يوميا تصدر منها 2.4 مليون برميل والتي تتعرض لأضرار اقتصادية بالغة نتيجة التراجع الكبير في أسعار الخام.
وقد تكللت المساعي الفنزويلية بابرام اتفاق في الدوحة في 16 فبراير الجاري بين المملكة العربية السعودية أكبر منتج في أوبك وروسيا غير العضو في المنظمة مع قطر وفنزويلا على تجميد الإنتاج عند مستويات يناير إذا انضم الآخرون. وأعلن وزير الطاقة القطري، أن الاجتماع الرباعي في الدوحة قرر تجميد الإنتاج، وأوضح أن القرار أخذته قطر والسعودية وروسيا وفنزويلا، وستقود قطر التحرك. وكان الاجتماع قد بدأ في الدوحة لوزراء نفط السعودية وروسيا وفنزويلا وقطر، لبحث الانخفاض الحاد في الأسعار الناتج بشكل أساسي عن فائض الإنتاج.
وفي ما يتعلق بمواقف الدول المنتجة، فقد أعلنت قطر وتبعتها فنزويلا موافقتهما فور انتهاء الاجتماع. كما أعلن العراق تأييده للاتفاق. وكذلك فعلت الكويت، بينما أعلنت أذربيجان إنها لا تخطط لتجميد إنتاجها. ولم يسمع رأي من منتجين آخرين، وإن كانت قطر وعدت بالاتصال بالجميع للحصول على تأييدهم. كما أعلنت الإمارات العربية المتحدة تأييدها للاتفاق. ورحبت إيران بالخطوة لكنها لم تتعهد بأخذ إجراء. كما بدأ الرئيس النيجيري محمد بخاري الثلاثاء الماضي زيارة للسعودية لبحث أسعار النفط المتهاوية، مع توقع أن تعلن بلاده، أكبر منتج للنفط في أفريقيا، تأييدها لاتفاق تجميد الانتاج.
ولهذا الاجتماع أهمية ولو رمزية لكونه يجمع كبار منتجي النفط في العالم من أوبك وخارجها. ولكونه يأتي في ظل وضع مضطرب تشهده أسواق النفط العالمية، بعدما أدى فائض الكميات المعروضة إلى تراجع كبير في الأسعار منذ منتصف العام 2014، ما كبّد الدول المنتجة خسائر هائلة في ايراداتها. وذلك بعدما خسرت أسعار النفط 70% من قيمتها منذ يونيو 2014 ، حينما كان سعر البرميل يفوق المئة دولار. وعجزت الأسواق العالمية عن استيعاب فائض الكميات المنتجة، لاسيما مع تراجع الطلب الصيني.
من جهته، أعلن الأمين العام لمنظمة أوبك الاثنين الماضي أن كبار منتجي النفط في العالم قد يدرسون “خطوات أخرى” لتصفية تخمة المعروض بالأسواق العالمية في حالة نجاح اتفاق أولي لتجميد الإنتاج لعدة أشهر. وجدد البدري التأكيد على استعداده للعمل مع منتجي النفط من داخل أوبك وخارجها لتصريف تخمة المعروض العالمي التي خفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات، قائلا: إن الاتفاق المبدئي على تجميد الإنتاج الذي توصلت إليه السعودية وروسيا ومنتجون آخرون الأسبوع الماضي هو مجرد بداية. وقال “الخطوة الأولى تجميد الإنتاج. قد نأخذ في حالة نجاحها خطوات أخرى في المستقبل.” وأضاف أن أوبك ترغب في الانتظار لثلاثة أو أربعة أشهر لمعرفة ما إذا كان الاتفاق سيصمد.
ولم يتوقع معظم المراقبين أن يطول أمد التراجع الحالي في أسعار النفط على هذا النحو. ولا أن يكون بهذه الحدة. لكن بعض المسؤولين بدأوا بالفعل يبدون تخوفهم من أن التخفيضات الحادة في الإنفاق الرأسمالي لعامين متتاليين قد تؤدي إلى نقص إمدادات النفط الخام لعدة سنوات في المستقبل.
التطور اللافت هنا هو أن أوبك بدأت تتفهم الواقع وتدرك حجم المشكلة وتتخوف من مستقبل أسعار الخام لاسيما بعدما حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن عام 2016 يمكن أن تتزايد فيه تخمة المعروض من النفط بسبب الارتفاع في درجات الحرارة من ناحية مما يؤدي الى قلة استهلاك الوقود. فضلا عن الزيادة الكبيرة في مخزونات النفط ، حيث البلدان الصناعية المستهلكة للنفط قد ملأت خزاناتها من الخام تقريبا ومن ثم فان ذلك يمكن أن يؤثر على كمية وارداتها بتقليلها بما ينعكس سلبا على تخمة المعروض وقلة الطلب بشكل كبير بما يؤدي الى زيادة في انخفاض الأسعار.
فقد بدأت أوبك في تفهم ذلك وشرعت في تغيير موقفها السابق الذي كانت تصر عليه بعدم الاتجاه الى خفض المعروض خوفا على حصص أعضائها. لكن الواقع أثبت لها خطأ هذا الموقف، فشرعت في العدول عنه والتجاوب مع محاولات التنسيق بين المنظمة والمنتجين من خارجها على العمل على خفض الانتاج.
صحيح أنه حتى الآن، فان الاتفاق على تجميد الانتاج عند مستويات يناير الماضي، لا يؤدي الى خفض الانتاج وذلك لأنه حتى عند مستويات يناير فإن هناك فائضا في المعروض بنحو 1.75 مليون برميل يوميا. إضافة إلى أن إيران رغم ترحيبها بالاتفاق من غير المتوقع لها أن تخفض انتاجها بعد خروجها لتوها من العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليها وذلك قبل ان تصل الى مستويات الانتاج التي كانت عليها قبل فرض العقوبات الدولية. بل إن هناك توقعات بأن تضيف إيران 500 ألف برميل لسوق النفط خلال هذا العام.
ومع ذلك، فان مجرد تفهم المشكلة والسعي في طريق التعاطي معها يمثل بادرة ايجابية. كما أنه، على الأقل، من هنا حتى يونيو المقبل موعد انعقاد الاجتماع العادي لأوبك، يكون قد تم استكشاف الوضع ومواقف البلدان المصدرة للنفط بشكل أكبر. وبحث ما اذا كان بمقدور المنظمة الوصول الى كمية الانتاج المستهدفة وهي 30 مليون برميل من الخام يوميا للحد من تخمة المعروض والوصول إلى السعر العادل المستهدف.
(المصدر: الوطن العمانية 2016-02-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews