حصار كامل على قرية عربية
علق الجنود قبل اسبوعين بلاغات في قرية الولجة في جنوب القدس: «بيان بنية شراء الحقوق على ارض وشراء ارض بشكل مستعجل للحاجات العامة»، كما كتب. بالترجمة إلى اللغة الغير قضائية، الحديث هو عن أوامر لمصادرة اراضي من اجل استمرار اقامة جدار الفصل قرب القرية. حسب خطط العمل، بناء الجدار في المنطقة سيتم حتى نهاية السنة.
البلاغ لا يفصل أين بالضبط ستصادر الاراضي الاخرى. والمواطن الذي يريد استيضاح الامر يجب أن يصل إلى مكاتب سلطة اراضي إسرائيل في القدس. والمشكلة هي أن اغلبية سكان الولجة لا يمكنهم دخول القدس لأنهم من سكان المناطق. هذا مثال واحد وليس الأبرز في جوانب حياة سكان الولجة في السنوات الاخيرة. وكجزء من هذه الحياة السلاسل التي بنيت وتم الاهتمام بها على مدى سنوات طويلة من مزارعي الولجة، شكلت أحد اسباب الاعلان عن المنطقة المحيطة بالقرية كحديقة وطنية جديدة. هذه الحديقة الآن، اضافة إلى جدار الفصل، تهدد بابعاد الفلاحين الفلسطينيين عن المناطق الزراعية. الرغبة في الحفاظ على المشهد كانت من اعتبارات اقامة الجدار بالقرب من منازل السكان وليس قرب الخط الاخضر. باسم الحفاظ على المناظر الطبيعية فان المسار الحالي للجدار يفصل بين بيوت القرية واراضيها الزراعية. إلا أن هذه المناظر الطبيعية قد تضررت بصورة بالغة عندما شقت وزارة الدفاع الشارع الامني الواسع إلى الحديقة الوطنية والاراضي الزراعية. وقد تحول الشارع إلى أمر زائد بعد أن تم تغيير مسار الجدار بأمر من قضاة محكمة العدل العليا.
قبل اعلان البلاغات باسبوعين في القرية، نشرت سلطة الآثار وسلطة الطبيعة والحدائق وسلطة تطوير القدس عطاء «لاعمال الحفاظ والتطوير» في عين حانيا شمال القرية. ونظريا لا توجد صلة بين البلاغ حول الجدار وبين العطاء. ولكن في نظر سكان القرية الزراعية الصغيرة فان الصلة وثيقة: الجدار، الحديقة الوطنية والسيطرة على النبع لصالح سياحة الإسرائيليين ـ كل ذلك بالنسبة لهم هو جزء من خطة كبيرة لاقتلاعهم من المنطقة.
قرية الولجة بموقعها الحالي تأسست من قبل لاجئي الولجة الأصلية التي كانت حتى 1948 على الجانب الثاني لنهر رفائيم وتُركت في حرب الاستقلال. ومع توسيع حدود القدس بعد حرب الايام الستة دخل جزء من القرية إلى حدود المدينة. لكن إسرائيل شددت على ضم الاراضي فقط دون أن تعطي الاقامة للناس الذين يعيشون عليها. وبهذا أصبح سكان الولجة يعتقلون بسبب التواجد غير القانوني في منازلهم. ومع مرور الوقت تمت اقامة مستوطنة هار غيلو في جنوب القرية، وبينها وبين الولجة بني جدار اسمنتي عال. الآن تتم احاطة القرية بجدار اسمنتي والحديقة الوطنية من الجهات الثلاث الباقية.
من يزور منطقة الولجة في هذه الايام سيفهم بسهولة رغبة بلدية القدس وسلطة تطوير القدس وسلطة الطبيعة والحدائق بتحويل المنطقة إلى حديقة وطنية لصالح سكان المدينة. القرية مبنية فوق نهر رفائيم، عشرات الاراضي الزراعية القديمة والسلاسل تنحدر منها باتجاه النهر. والمشهد الطبيعي اخضر وفيه اشجار اللوز والامطار الكثيرة أدت إلى تدفق المياه إلى الينابيع حيث يمكن رؤية ذلك هنا وهناك.
في قلب هذه المنطقة توجد عين حانيا، وهي من اكثر الينابيع جمالا في جبال القدس. والى جانب النبع هناك بركتان كبيرتان وبقايا أثرية كثيرة. ويعتبر النبع ايضا مكانا مقدسا للمسيحيين الارثوذوكس. لكن النبع ليس مهما فقط للسياح والتبشيريين، بل ايضا لسكان قرية الولجة. كان الرعاة ينزلون اغنامهم للشرب من النبع وكان شباب القرية يذهبون اليه للسباحة والترفيه، اضافة إلى الكثير من الإسرائيليين الذين يزورون المكان.
في السنة الاخيرة تم اجراء حفريات أثرية واسعة من قبل سلطة الآثار. وتمت الحفريات كجزء من مشروع اقامة حديقة المدينة ـ حديقة كبيرة ستحيط بالقدس من الجنوب والغرب. ويفترض أن تتحول عين حانيا حسب الخطة إلى أحد مراكز الحديقة. وهناك مخطط لمطعم ومركز زوار ومسارات وانارة. وبالقرب من النبع ستتم اقامة مزرعة لتعليم الزراعة العضوية. وأمام النبع سيتم بناء جسر للسائرين على الاقدام وراكبي الدراجات، وفي الجانب الآخر ستتم اعمال لاستصلاح السلاسل كجزء من اقامة الحديقة. وفوقها سيتم بناء حوض ضخم للاسماك لحديقة الحيوانات التوراتية.
ستنضم عين حانيا إلى ينابيع كثيرة اخرى استخدمها في الماضي السكان الفلسطينيون والتي تحولت إلى مواقع مائية مهمة، لا سيما بالنسبة للإسرائيليين. في الذاكرة الجماعية لسكان القرية يوجد 17 نبع استخدمتها القرية في السابق: عين يالو أصبحت عين ياعل ـ مزرعة للحصن وموقع تعليمي وأثري محاط بجدار، عين البلد تحولت إلى عين ايتمار (على اسم ايتمار دورون الذي قتل في المكان). وعين الليق تحولت إلى عين لابان. ياسر خليفة، أحد سكان القرية، حفر قبل سنوات كثيرة بركة صغيرة تستوعب مياه النبع القريب من اجل ري الخضراوات التي يقوم بزراعتها. وقبل ثلاث سنوات جاء زوار إلى المكان وبشروه بأن البركة تظهر في كراسات السياحة تحت اسم «عين حيزي».
زئيف هكوهين، مخطط المنطقة في سلطة الطبيعة والحدائق، وعد سكان القرية باستخدام عين حانيا في الوقت الحالي، لكنه لا يستطيع أن يعد بذلك بعد اقامة الجدار. «هدف العمل هو اصلاح شبكات المياه وتحويل المكان إلى موقع لزيارة الجمهور. ويمكن أن يتم اغلاق المكان من اجل الحماية»، قال هكوهين الذي وعد ايضا بأن قسم من المياه سيتدفق إلى المكان الذي يمكن فيه الاستمرار بسقاية القطعان. لكنه ايضا يعترف أنه مع اقامة الجدار الذي سيفصل بين القرية والنبع ستختفي أجزاء مهمة من المشهد الطبيعي. «سكان الولجة ينزلون اليوم إلى النبع، وهذا جزء من المشهد وجزء من قصة المكان. واذا تمت اقامة الجدار فان هذا الامر لن يستمر. هناك حدود لقدرة وقوفنا في وجه الاجهزة الامنية».
أفيف تتراسكي، من جمعية عير عميم والذي يتطوع منذ سنوات لمساعدة سكان القرية، يقول «الآن هذه منطقة معروفة على أنها منطقة فلسطينية. ولكن يمكن تخيل كيف أنه بعد بضع سنوات ـ مع مركز للزوار ومطعم وسياح ـ الوعي سيتغير وسيتعاملون مع المنطقة على أنها إسرائيلية. لو كانوا اقاموا هنا مستوطنة جديدة، لكان العالم كله قد صرخ. لكنهم يحولون المنطقة إلى إسرائيلية بواسطة الحديقة الوطنية، وهذا يمر بهدوء. بعد بضع سنوات إذا قالوا لكل من يأتي كل يوم سبت مع أولاده إلى هنا إن هذه منطقة فلسطينية، فسيقال إنك مجنون».
حتى اليوم كان موقع النبع في الجانب الفلسطيني للحاجز. ولكن مع استكمال جدار الفصل فان السكان على قناعة بأن الحاجز سيتغير موقعه وسيمنعون تماما من الوصول إلى النبع. في الوقت الحالي، النبع والمنطقة المحيطة به كانا مكتظين في يوم السبت الماضي بالعائلات الفلسطينية من بيت جالا حيث تمت الرحلات بالقرب من البرك.
يتوقع أن يفصل الجدار ليس فقط بين السكان وبين النبع، بل ايضا بينهم وبين اراضيهم الزراعية. البلاغات التي نشرت قبل اسبوعين تبشر باستئناف العمل بجدار الفصل في المنطقة بعد أن كان الامر شبه معطل في السنوات الاخيرة، رغم أن وزارة الدفاع صرحت أكثر من مرة في المحكمة حول ضرورة استكمال الجدار في المنطقة.
في 2013 بدأت الاعمال لاقامة الجدار وشق الشارع الامني حول القرية. وقد بني نصف الجدار، وعندها توقف العمل بشكل مفاجيء. لكن قسم كبير من المزارعين تركوا الاراضي الزراعية وتراجع الاهتمام بالارض. إن اغلاق النبع واستكمال جدار الفصل سيؤديان حسب توقعات سكان القرية إلى مرحلة اخرى في فقدان الاراضي للمزارعين. وحسب الخطة، يفترض أن توضع بوابتين زراعيتين في الجدار من اجل استخدام سكان القرية. لكن التجربة في قرى الضفة مع البوابات الزراعية لا تبشر بالخير: لا أحد يعرف مكان اقامة البوابات ومن الذي سيُسمح له بعبورها وما هي أوامر فتحها. «سيطلبون مني المجيء الساعة الثامنة. فما الذي سأفعله الساعة الثامنة؟ أنا أجيء الساعة الرابعة والنصف أو الساعة الخامسة وأعمل حتى الساعة الثامنة وبعدها أعود إلى البيت»، قال خليفة. ولا شك عند خليفة أن المزيد من السكان سيتوقفون عن العمل في الاراضي في اعقاب الجدار. «هذه الارض لجاري وهو يجد صعوبة في الوصول اليها. انظر إلى هذه الشجرة كيف تنمو بسرعة لأن هذه الارض خصبة». الاشجار التي يشير اليها قامت بزراعتها الكيرن كييمت في الجانب الثاني لنهر ناحل رفائيم وهي تنتشر في المكان الذي كان في السابق كرم اشجار زيتون.
الاراضي والسلاسل التي تم الاعتناء بها عشرات السنين أو مئات السنين من قبل مزارعي الولجة، تعتبر الآن مبررا من المبررات الاساسية لاقتلاع السكان من اراضيهم باسم اعلان المنطقة كحديقة وطنية. وفي وثائق الخطة تتكرر كلمة «تراسات» ليس أقل من 12 مرة. وحينما تقرر مسار الجدار تقرر الاهتمام بالحديقة الوطنية. والنتيجة هي أن هذه الحديقة التي أعلن عنها بسبب التراسات ستُبعد عنها من اعتنى بها على مدى سنوات كثيرة. ورغم معرفة الجميع بمساهمة سكان الولجة بالحديقة، لم يكلف أحد نفسه عناء ابلاغهم عن خطة انشاء الحديقة أو أن يضمن استمرارهم في العمل في اراضيهم.
هكوهين الذي يعمل في سلطة الطبيعة والحدائق يعلن بلا تردد أن مساهمة مزارعي الولجة في الحفاظ على المشهد الطبيعي للحديقة الوطنية، مهمة. لكن كما في حالة النبع، فانه لا يضمن لهم أي شيء. «ما أعطته وزارة الدفاع لسكان الولجة كان بوابات زراعية. أنا على يقين أن هذا لا يكفي، واقول ذلك بأسف. إذا تمت اقامة الجدار هناك وحدثت مشاكل مع البوابات الزراعية، فأنا أعلن أننا سنقف إلى جانب سكان الولجة من اجل أن تعمل البوابات بالشكل المناسب. لكني لا استطيع الفرض على وزارة الدفاع اعطاء التصاريح».
في التصريح الذي قدمه هكوهين قبل بضع سنوات للمحكمة، أبدى تخوفه من أنه إذا بقيت التراسات في الطرف الفلسطيني للجدار فانها ستهدم مع الوقت. «من الواضح أنه لن يكون لنا أي تأثير وقدرة للحفاظ على الحديقة في المناطق وراء الجدار. والخطر هو أن المناطق الزراعية القديمة ستتضرر وسيبنى فيها بشكل غير مضبوط»، كتب.
لكن من تسبب في الوقت الحالي بأضرار كبيرة هو وزارة الدفاع التي شقت شارعا ضخما، بموافقة سلطة الطبيعة والحدائق، الامر الذي شق التراسات في قلب الحديقة الوطنية وتسبب بقبح المشهد الطبيعي. إن هدف الشارع الذي صادقت عليه لجنة المواقع الأمنية بشكل يتجاوز عملية التخطيط العادية، هو الالتفاف عن دير كرميزان الموجود في المنطقة. إلا أنه بعد قرار محكمة العدل العليا تم تغيير مسار الجدار بحيث يبقى الدير في الجانب الفلسطيني للجدار. وبهذا أصبح الشارع لا حاجة اليه. «آمل أن يتم استخدام الشارع من اجل السياح الذين يذهبون إلى الدير، وأن يكون له استخدام»، قال هكوهين.
فوق الشارع يسكن عمر حجاجلة، وبيته هو البيت الوحيد في القرية الذي يوجد في الجانب الثاني من جدار الفصل. وبعد رفضه جميع اقتراحات الدولة لترك بيته، وهو يناضل ضد نوايا هدمه، اضطرت الدولة إلى بناء نفق خاص يمر من تحت الجدار وفيه بوابة لحجاجلة وأبناء عائلته. «منذ البداية لم يرغبوا في وجودي هنا. وقد قالوا لي إنني إذا بقيت فسأواجه المشكلات. اعتقلوا عدة مرات وقاموا بضربي واقترحوا علي ضعف الارض. لكنني قلت أنا لا أريد أي شيء، فقط أريد البقاء في ارضي». وأضاف «ذات مرة كانت هنا لجميع البيوت أغنام وزيتون. واليوم لا يمكن الخروج، فقد أغلقوا علينا».
ورغم الضغوط والازمات، بقيت الولجة احدى القرى الفلسطينية الاكثر هدوء. ففي المظاهرات التي كانت هنا لم يتم رشق الحجارة ولم يمارس أحد العنف. «نحن في إسرائيل اعتدنا على نسب العنف للفلسطينيين، واستخدام عنفهم كمبرر لافعالنا»، قال تتراسكي. «يمكن رؤية العنف في الولجة وهو يأتي من طرف واحد. الدولة تتصرف مثل شبيبة التلال، تسيطر على النبع واراضي الفلسطينيين. ولا يتم التنديد بشبيبة التلال واعتبارهم اعشاب ضارة. لكن السيطرة على اراضي الولجة تسمى تطويرا للقدس ورفاه سكانها».
وقد جاء من وزارة الدفاع: «تعمل وزارة الدفاع عن اغلاق الثغرات المتبقية في الجدار الامني الذي يحمي سكان القدس، حسب المسار الذي صادقت عليه محكمة العدل العليا. إن اقامة الجدار الامني في الولجة ستستكمل حتى نهاية السنة الحالية. وكجزء من استكمال الجدار نفذت وزارة الدفاع تعديلا تقنيا على حدود المصادرة التي تمت المصادقة عليها في 2011، حسب المسار الدقيق للجدار الذي أقيم فعليا». وحول شق الشارع قالت وزارة الدفاع في السابق: «المسار الذي أقيم حتى الآن تمت المصادقة عليه من محكمة العدل العليا وتم التخطيط له بالتنسيق مع سلطة الطبيعة والحدائق لتقليص الضرر بالبيئة بقدر الامكان وضمان حماية سكان غيلو».
هآرتس 18/2/2016
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews