دي ميستورا وسيطا لتعقيد الأزمة في سوريا لا لحلها
دي ميستورا يبدو أنه لا يدور في مكانه فقط، بل هو إما ضائع لا يعرف ما يجب فعله، وإما أنه يهوى تجريب الخطط المبتكرة حتى لو كان عنوانها يؤكد فشلها.
بدأ المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا مهمته كوسيط أممي لحل الأزمة السورية في يوليو 2014، أي قبل سنة ونصف السنة. وفور بدء مهمته استلم ملفات ووثائق ومحاضر من عشرات آلاف الصفحات وثّقها المبعوث الذي سبقه الأخضر الإبراهيمي، ومثلها وربما أكثر وثّقها المبعوث الذي سبق من سبقه كوفي عنان، تضم آراء ومواقف كل التيارات والقوى والأحزاب السورية، ومقترحات ورؤى المئات من أبرز المعارضين والناشطين من كافة التيارات والأديان والقوميات والمنابت الطبقية والخلفيات العــــــلمية والمرجعيات، لكن الرجل قرر التخلي عن أطنان الوثائق والملفــــات والمحاضر هذه، والبدء من الــصفر والتخــــلي عن الأطنان من الوثائق.
طوال النصف الثاني من 2014، التقى المبعوث الأممي في جنيف وغيرها بالمئات من السوريين المؤيدين والمعارضين والـ (بين بين)، من كافة الاتجاهات والتيارات والأيديولوجيات، من بينهم سياسيون وناشطون في منظمات مدنية ورجال قانون وحقوق إنسان وممثلون لقوى عسكرية وغيرها الكثير من التصنيفات، بالإضافة إلى ممثلي الدول الإقليمية والدولية المؤثرة في الأزمة السورية، وكذلك رجالات النظام السوري.
وبحث المبعوث الأممي بشكل مسهب مع كل هذا الجيش من السوريين الأزمة السورية وسبل ووسائل حلّها، ودوّن موظفوه إفادات كل هؤلاء في عشرات الآلاف من الصفحات المحفوظة الآن لدى مكاتب الرجل في جنيف، ولم يترك جانبا من جوانب الأزمة إلا وبحثه وسجّل كل شاردة وواردة تتعلق به، وكل رأي سواء أكان منطقيا أو خُلّبيا، لمصلحة السوريين أو لغير مصلحتهم، قابلا للتنفيذ أو خياليا. وقال بعد لقاءاته إنه قد كوّن صورة بانورامية واضحة عن رأي السوريين وما يريدونه وكيف يمكن الوصول إلى حل للأزمة السورية، وقدّم بناء على ذلك خطة لمجلس الأمن تستند إلى تشكل أربع مجموعات عمل متخصصة، باتت معروفة للجميع، ودُفنت خطته هذه في مكانها ولحظتها بسبب (خُلّبيتها).
وقبيل مؤتمر جنيف الثالث، الذي سعى الرجل لعقده، قال إن الأمور جاهزة والأهداف واضحة والمنهج سليم. وأعلن أن المفاوضات ستبدأ بين المعارضة السورية والنظام.
دي ميستورا مازال وحتى بعد تعليق المفاوضات لنهاية الشهر الجاري، يلتقي بنفس السوريين الذين التقاهم من قبل الكثير من المرات، وبغض النظر عن أخطائه الكبيرة في اختيار من يلتقي بهم
وأكّد على أن الفرصة باتت مواتية لإيجاد حل. وادّعى أنه بات يعرف كل المواقف والأشخاص والقوى والآراء. لكن الرجل عمليا أعاد السوريين إلى نفس المربع الذي انطلق منه منتصف السنة الماضية، إذ تبيّن أنه جمع معارضين وناشطين وحقوقيين وعسكريين وتجار ونساء وحتى طلاب صغار مراهقين، ومعارضين مُقنّعين، ورجال النظام من الدرجة الثالثة، ليفهم مواقفهم ويستمع لآرائهم وتصوراتهم وكأنه لم يسمع بها من قبل ويريد أن يفهم جوهر الأزمة السورية.
يبدو أن دي ميستورا لا يدور في مكانه فقط، بل هو إما ضائع لا يعرف ما يجب فعله، وإما أنه يهوى تجريب الخطط المبتكرة حتى لو كان عنوانها يؤكد فشلها، أو أنه يُنفّذ خطّة كُبرى تقضي بأن يكون عبثيا ويماطل لكسب الوقت لصالح طرف أو عدة أطراف، وبأي من الفرضيات السابقة يمكن الجزم بأن الرجل غير جدير بالمضي بحمل ملف كالملف السوري.
تقدّم الرجل بثلاث مبادرات قبل مؤتمر جنيف الثالث، فشلت جميعها بجدارة، الأولى تتعلق بدعوته السماح بإدخال مقاتلين من خارج سوريا دون قيد أو شرط ليقاتلوا إلى جانب أكراد سوريا أثناء معارك مدينة عين العرب، فوصفته المعارضة السورية بأنه غريب الأطوار.
والمبادرة الثانية دعا فيها إلى تجميد القتال في منطقة واحدة فقط في سوريا، دون أي أفق أو برنامج واضح ولا معرفة بالخطوة التالية، فوصفته المعارضة بقليل الخبرة.
أما المبادرة الثالثة، فاقترح فيها تشكيل أربع مجموعات عمل رفضتها كل المعارضات السورية ورأت أنها تناقض كل قرارات الأمم المتحدة والقيم الإنسانية، ووصفته المعارضة دون دبلوماسية بأنه مخرّب. وبدأت تتساءل عن سبب تمسّك الأمم المتحدة به.
مازال دي ميستورا، وحتى بعد تعليق المفاوضات لنهاية الشهر الجاري، يلتقي بنفس السوريين الذين التقاهم من قبل الكثير من المرات، وبغض النظر عن أخطائه الكبيرة في اختيار من يلتقي بهم، يُسجّل موظفوه على الآلاف من الأوراق نفس الآراء والمواقف والاقتراحات التي سجّلوها قبل ستة أشهر، وسجلها قبلهم موظفو الأخضر الإبراهيمي وقبلهم موظفو كوفي عنان، ويعيد الرجل اجترار نفسه، دون أي أمل أو طيف حل.
وتكمن المشكلة في أنه حتى لو كان الرجل يتلقى أوامره من القوى الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا، أو أنّه يُنفّذ أجندة غير معلنة، دولية أو أممية، فإنه ينفذها بطريقة فيها الكثير من العبث والتناقض وسوء الإدارة والتقدير والكثير من الاستهتار، وكل هذا وما قبله يؤكد على أنه يتّبع أسوأ الاستراتيجيات والوسائل وأكثرها فشلا وركاكة وضعفا، مختلفا كليا عن سابقيه، ما يُبرر للمعارضة السورية أن تقول “أما آن له أن يترجل؟”.
(المصدر: العرب اللندنية 2016-02-11)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews