الاستثمار الخليجي المشترك
تختلف المبررات التي تقف وراء إقامة الاستثمارات الخليجية المشتركة باختلاف المشاريع والقطاعات الاقتصادية، فمنها ما هو اقتصادي وتقني بحت ومنها ما هو ذو أبعاد سياسية واجتماعية، وبعضها تمليه ظروف محلية وإقليمية مثل حجم الأسواق، والبعض الآخر يأتي استجابة للظروف العالمية المستجدة من منافسة، ومخاطرة، وعدم استقرار للأسواق.
وفي قطاع الطاقة ومن منظور عالمي، تتمثل الفوائد الاقتصادية المتوقعة من إقامة المشروعات الصناعية المشتركة في نقل التقنية الحديثة، وفتح أسواق جديدة لمنتجات المشروع عن طريق شبكات التوزيع التي يملكها أحد الشركاء، وتوفير رأس المال اللازم لمشاريع الطاقة ذات الكثافة الرأسمالية العالية، إضافة إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمارات الضخمة التي يمكن تخفيف حدتها بتوزيعها بين الشركاء.
ويمكن تتبع بدايات الاستثمارات أو المشاريع المشتركة إلى أواخر الستينيات وهي فترة المفاوضات بين شركات النفط الأجنبية والدول الخليجية المصدرة للنفط، حيث طرحت آنذاك صيغة المشاريع المشتركة كبديل عن فكرة التأميم. وبعد تصحيح أسعار النفط في عام 1973-1974 اكتسبت المشروعات المشتركة انتشارا أوسع وانسحبت إلى قطاعات الصناعات التحويلية. وكان الدافع وراء تبني هذه الصيغة هو كونها تعطي الحكومات الخليجية إمكانية سيطرة أكبر على مواردها بما يضمن لها تحقيق عوائد أعلى لثروة ناضبة ويوفر لمشاريعها الإدارة الكفؤة والتقنية العالمية إضافة إلى تسهيل اختراق الأسواق العالمية باستخدام خبرات وشبكات تسويق الشركاء الأجانب.
ووفقا لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، بلغ عدد المشروعات الصناعية المقامة بمشاركة خليجية فقط حتى عام 2013 نحو 232 مشروعا، بلغت قيمة استثماراتها المتراكمة نحو 23 مليار دولار، واستوعبت نحو 59.2 ألف موظف وعامل، وذلك مقابل 3015 مشروعا صناعيا مقاما بمشاركات خليجية وعربية وأجنبية، بلغت استثماراتها التراكمية نحو 150.8 مليار دولار، واستوعبت نحو 360 ألف موظف وعامل. وهذا يوضح بصورة جلية أنه وبعد نحو 35 عاما من قيام مجلس التعاون الخليجي، ما زال حجم الاستثمار البيني ينمو ببطء شديد ولا يمثل سوى 15% من مجموعة قيمة المشاريع المشتركة في دول المجلس.
كما توضح هذه الإحصائيات أن رأس المال الوطني لا يزال يفضل الدخول في شراكات مع شركات أجنبية أكثر من الشركات الخليجية ربما لعدم وجود التمايز من حيث الحوافز المقدمة في دول المجلس بين النوعين، ولربما أيضا للحصول على خبرات وتقنيات لا تتوفر لدى الجانب الخليجي.
وفي كل الأحوال، هناك شبه اتفاق أن المشاريع المشتركة الخليجية لم تحظ بعد بنصيب لامع من النجاح. ويأتي في مقدمة المعوقات التي تواجه نجاح المشروعات الخليجية المشتركة حقيقة أن هذه المشاريع اقتصرت في العديد من الأنشطة ومنها خاصة قطاع الطاقة على شراكات بين شركات عالمية وشركات خليجية مملوكة للحكومات في صناعات التكرير والبتروكيماويات ولم تشهد المنطقة مشاريع مشتركة بين أطراف خليجية مع بعض الاستثناءات في قطاع البتروكيماويات والألومنيوم تحديدا وذلك إما بسبب الرغبة في الحصول على التكنولوجية والأسواق أو لضعف الشريك الخليجي.
كما أن تشابه الموارد بين دول المجلس وعدم توافر عوامل تكميلية لدى الأطراف الخليجية مثل التقنية والإدارة هي أحد المعوقات أيضا. مع ذلك نعتقد أن تشابه الموارد لا ينفي بالضرورة فرص العمل المشترك أو التكامل حيث تدخل عوامل أخرى مثل الموقع والطبيعة الجغرافية والمؤشرات الديموغرافية ضمن مؤشرات جدوى المشروعات المشتركة.
كما أن الحكومات في دول المجلس لا تزال تحتكر حق الاستثمار في العديد من الصناعات والقطاعات. في الوقت نفسه، فإن ما أقيم من مشروعات خليجية مشتركة على محدوديتها لم تقم بناء على قرارات إستراتيجية ووفق خطط مدروسة ومتفق عليها إقليميا، إنما قامت عن طريق المصادفة أو العلاقات الشخصية التي ربطت بين بعض المسؤولين في دول المجلس فيما يخص المشاريع المملوكة للقطاع العام تحديدا أو الروابط الأسرية بالنسبة إلى المشاريع المطورة من قبل القطاع الخاص.
كذلك، فإن عوائق الاستثمار في المشروعات المشتركة بدول المجلس تكمن في عدم الاتفاق على معايير محددة لتوطين هذه المشروعات كدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع أو مبدأ عدالة توزيع مكاسب التعاون والتكامل الإقليمي إلى جانب معوقات المواطنة الاقتصادية والصعوبات أمام التبادل التجاري وتنمية التجارة البينية. كما أن غياب البيئة القانونية الموحدة للمشاريع الخليجية المشتركة، كذلك غياب البينة التحتية المسهلة لقيامها، وغياب الأجهزة الخليجية الموحدة التي تشرف على تشجيعها وقيامها، جميعها عوامل ساهمت في الحد من قيام المشاريع المشتركة.
ويجب أن نضيف كذلك، أن تأخر قيام دول المجلس بتحرير المبادلات التجارية وعناصر الإنتاج والاستثمار والعمل وفقا لمتطلبات الاتحاد الجمركي الموحد والسوق الخليجية المشتركة، عوامل ساهمت في إعاقة قيام المشروعات الخليجية المشتركة.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-01-31)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews