الرجل غير السليم
يوجد سفير في واشنطن. رون ديرمر. في إسرائيل قلة يعرفون هذه الحقيقة. في واشنطن ايضا، الساحة التي يفترض فيها أن يبدي ديرمر نشاطا، لا يبدو وجوده ملموسا على نحو خاص ولا يثير انتباها خاصا. في اوساط يهود أمريكا، في افضل الحالات ينحصر النشر عنه ويتعلق بالملابسات. ولكن في معظم الحالات لا تبعث شخصية السفير في واشنطن التضامن مع إسرائيل.
لا ينبغي لهذا ان يفاجيء احدا. فتعيين ديرمر في المنصب الهام في العاصمة الأمريكية ولد في الخطيئة منذ البداية. فديرمر الذي ولد وترعرع في الولايات المتحدة، هو يميني، محب شديد الحب للجمهوريين. في الانتخابات للرئاسة في 2012 أيد بشكل معلن المرشح الجمهور ميت رومني وعمل على انتخابه. وكمستشار مقرب من رئيس الوزراء اغدق ديرمر على نتنياهو بالتقديرات بان رومني سينتخب رئيسا.
وبمثابة احتجاج على انتصار اوباما وكخطوة استفزازية للبيت الابيض قرر رئيس الوزراء تعيين ديرمر سفيرا في واشنطن. هذا مثلما كان يمكن ان يعين في صندوق استثمارات مدير عام مفلس.
بدلا من الاجتهاد للتغطية على سمعته كمحب للجمهوريين وبذل الجهد لكسب ثقة البيت الابيض، عمل ديرمر كسفير لدى الجمهوريين. الدائرة الداخلية لمستشاري الرئيس ردا بما يتناسب مع ذلك. وبشكل غير رسمي سرعان ما اصبح ديرمر شخصية غير مرغوب فيها في البيت الابيض. فقد قُطع عن كل اتصال مع رجال الرئيس واُبعد عن البيت الابيض. ويروي صحافيون في واشنطن بانه محظور ذكر اسم ديرمر في حضرة مستشارة شؤون الامن القومي سوزان رايس.
لم يكن ديرمر بحاجة إلى تشجيع من جانب سيده نتنياهو كي يسخن العلاقات مع البيت الابيض. فقد عمل بإرادته كي يحطم كل زاوية طيبة في هامش العلاقات بين رئيس الوزراء والرئيس الأمريكي وقيادة الادارة. فضمن امور اخرى جند رئيس الكونغرس السابق جون باينر بمبادرة دعوة رئيس الوزراء لإلقاء كلمة امام جلسة مشتركة للمجلسين؛ وذاك الخطاب الذي بقي في تاريخ العلاقات بين الدولتين كإهانة تجاه الرئيس ومؤسسة الرئاسة.
«السفير في واشنطن يعمل بكد كي يقنع السناتورات للتصويت ضد الاتفاق مع إيران ولا يتجاوز مكتب اي مشرع في تلة الكابيتول»، افادت الصحف في حينه. غير أن فشل جهود ديرمر كان متوقعا. فقد كان آخر من هو مناسب كي يقنع السناتورات الذين في نظر معظمهم، ولا سيما الديمقراطيين، بات السفير شخصية منبوذة.
ان الضرر الذي لحق بعلاقات البيت الابيض والقدس في فترة ولاية ديرمر في واشنطن شديد لدرجة أنه يبدو احيانا بان السفير يطبق نظام «هنيبعل» العسكري الإسرائيلي في مجال الدبلوماسية.
وحتى بعد اللقاء الاخير بين اوباما ونتنياهو، والذي وصفه رئيس الوزراء بـ «افضل لقاء كان له في اي وقت من الاوقات»، بقي القيام بعمل هائل ومطلوب مخزون كبير من الابداعية لاعادة بناء علاقات سليمة بين اوباما ونتنياهو.
لقرار اوباما المفاجيء للمشاركة في الاحتفال لإحياء يوم الكارثة الدولي الذي عقد يوم الاربعاء هذا الاسبوع في السفارة الإسرائيلية في واشنطن لا يوجد اي معنى من ناحية إسرائيل.
فالقرار الاستثنائي لإلقاء خطاب في الاحتفال في السفارة هو بادرة طيبة للجالية اليهودية واعلان احترام لاربعة عظماء في أمم العالم ممن الذين انقذوا اليهود في الحرب العالمية الثانية. وسارع السفير ديرمر لنشر بيان يقول فيه انه «يقدر بشكل عميق حقيقة أن الرئيس اوباما يشارك في هذا الحدث التاريخي». وبالفعل، السفير فقط يمكنه أن يفهم حجم السخاء وعظمة روح الرئيس الذي قرر أن يكون حاضرا للحظة قليلة في حضرة سفير لم تكن له معه اي علاقة واتصال.
السؤال المتبقي هو: لماذا لا يعيد نتنياهو ديرمر إلى إسرائيل؟ فإعادته وتعيين سفير جديد كانا سيحققان هدفين ايجابيين من ناحية إسرائيل. اولا، سفير جديد يمكنه ان يفتح صفحة جديدة في العلاقات مع البيت الابيض والمساعدة في خلق ثقة متجددة بين الزعيمين. ثانيا، اعادة ديرمر إلى البلاد وازالة الوباء الدبلوماسي الإسرائيلي من العاصمة الأمريكية سيفسران كبادرة طيبة للبيت الابيض وكدليل على رغبة رئيس الوزراء في اعادة بناء علاقاته مع الرئيس.
(المصدر: معاريف 2016-01-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews