أحمد السوري والعاصفة الثلجية
يندف الثلج ، مستبقا حضوره بلسعات جميلة ، عند المترفين ،الآمنين ، وقاسية ، لاذعة ، عند من لا أمن لهم ولا وقود ولا دثار .
زمان ، في الشام ، كان الثلج أكثر دفئا ، وأقرب رغبة ، رغم أن كثيرا من العائلات، كانت تشعل " صوبية المازوت " حسب الحالة ، كي لا يحترق ويتبخر ، أو صوبية الحطب ، أو حتى "بابور الكاز " بالمناوبة، والبعض كان يمتلك " تدفئة مركزية " تسمح له بفتح الستائر وارتداء الشفاف قبالة النافذة ، آخرون كان الأمر لا يعنيهم ، كانوا جاهزين لمختلف التنبؤات .
الآن : مخيمات لجوء في الخارج على مرمى البصر في الأردن ولبنان وتركيا، و مخيمات نزوح في الداخل على مرمى سوريا .
يندف الثلج ، وأحمد السوري خاوي البطن يبحث عن كسرة حطب بعد أن أعياه الخبز لأيام ، يمتشق عصا حجرية ، ينكث بها الجليد بيأس .
هو في الأربعين ، خضب الهطول حاجبيه بالأبيض فبات في السبعين ، يسمع " طقطقة " أسنان طفليه وأمهما في الخيمة المجاورة فيبكي " سرا " وبحرقة .
عائلة طردتها البراميل، وخامنئي ،ونصر الله ، والسوخوي والميج ، قتل نصفها ففرت إلى الجوار ، نصبوا لها خيمة مثقوبة في العراء ، داخلها امرأة بطفلين انقطع بهما الدواء والحليب ، بقايا أحياء ، منطرحون على "فرشة إسفنج " مبتلة بالدلف والدموع .
الموت جوعا بعد القصف ، خبرناه في مضايا وخبرناه في المعضمية ، والآن تتكرر مشاهد موت من نوع آخر :
إنه " البَرْدْ " ! .
يندف الثلج والجميع في الداخل ، باستثناء شخصين يقفان في العاصفة : رجل الثلج ، وأحمد السوري .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews