ليبيا: الهدف إنقاذ البلاد
الولادة المتعسرة لحكومة الوفاق الوطني، سوف تصبح سهلة يسيرة، إذا اجتمع أهل الحراك السياسي في ليبيا على نقطة واحدة، على اختلاف هوياتهم السياسية ومناطقهم وانتماءاتهم وعقائدهم، وهي العمل على إنقاذ الوطن، هذا هو الهدف الذي لا يجب أن يسبقه هدف آخر، لو اجتمعوا عليه حقا وآمنوا به حقا، وكانوا صادقين في تحقيقه، لتمت ولادة حكومة الوحدة الوطنية الموكول إليها إنقاذ البلاد من أزمتها، في يوم واحد، وانتهى الخلاف والتجاذب السياسي اللذان يؤجلان ولادة الحكومة.
وبالتأكيد فإنه لا أحد يجرؤ أن يقول إنه لا يعمل من أجل الوطن وإنهاء أزماته، وإيقاف انهياراته الأمنية والاقتصادية والمعيشية، وتفكك دواليب دولته، كلهم يقولون ذلك، ولكن عند المحك، يظهر أن هذا الكلام ليس هو حقا جوهر ما تتوخاه ممارساتهم، وإنما يطفح سريعا على السطح، عامل المصلحة الذاتية، ويظهر جليا التوجه العشائري أو الجهوي المناطقي، وأحيانا الأيديولوجي الذي يتم تغليبه على العامل الوطني. وهناك شواهد وأدلة على إخوتنا من المنتمين إلى الإسلام السياسي ممن يكبرون الرابطة الدينية، ويعودون في مرجعيتهم إلى تنظيم دولي في إسطنبول أو أفغانستان، أو إيران أو أي جهة أخرى، ولا يعطون الأولوية في تفكيرهم وممارساتهم، للوطن وشجونه وهمومه ومشاكله، وإنما لبانوراما كبرى تجمع أوطانا شتى يرون في حل مشاكلها كرابطة، حلا للوطن، ويغفلون عن الخصوصيات المحلية وعن العوامل ذات البعد الداخلي، التي قد لا تكون في تطابق مع العوامل التي يرونها جامعة بين بلادهم وبقية البلدان.
ولا أقول إن هذه الجماعات الإسلامية هي وحدها من يتضاءل لديها الاهتمام بالعامل الوطني المحلي، ولا تعطيه الأولوية لولاءاتها العقائدية الأممية، فهناك بالتأكيد أصحاب هوى أممي آخر، قد يكون اشتراكيا أو قوميا أو هوى آخر نراه متمثلا في فرق سياسية تظهر في الغرب، حيث لا تتلفع الولاءات بأغطية للتخفي والتمويه والكذب، وإنما تخرج على حقيقتها، فهناك مثلا جماعات تسمي نفسها الخضر لها طابع إنساني أممي، وقضية تتصل بالبيئة والمحافظة عليها، وصنعت لنفسها روابط وأحزابا سياسية، تريد الوصول بها إلى الحكم للاهتمام بهذا الجانب في الحياة، ونرى جماعات صهيونية علنية داخل أوطان مثل أميركا تعلن ولاءها لإسرائيل وتدافع عنها، وتضع مصلحتها فوق مصلحة أميركا نفسها، وفي بلادنا بالتأكيد جماعات لها ولاءات خارجية، لا تعلنها ولا تفصح عنها ولكننا نعرف ما تقوله تقارير إعلامية، عن الولاءات التي تشتريها بلدان داخل ليبيا نفسها، كما تفعل دولة قطر وتركيا والسودان رغم قلة إمكانياتها المادية، ولكن لها كما نعلم تواصلا مع قوى ذات توجه إسلامي، وأخرى لها مكونات أفريقية إثنية، داخل ليبيا.
هذه مجرد أمثلة أضربها لتعدد الولاءات والهويات التي لا تعطي الأولوية للوطن، وهو ليس دائما ولاء لجهات وأجسام خارج الوطن، ولكن هناك ولاءات لأجسام داخل الوطن نفسه، ولكنها لا تُكبر الوطن ولا تُعلي شأنه، ولكنها تعلي شأن قرية أو قبيلة أو عشيرة أو ربما شأن حي من الأحياء، وتنسى أن الوطن لا بد أن يكون أولا وأخيرا، وفوق الجميع وقبل الجميع، لأن في خراب الوطن، خرابا للحي والعشيرة والقبيلة والمنطقة التي نخصها بالأولوية والإكبار والإعزاز.
وأضرب مثلين صغيرين، يدلان على فساد منطق العشيرة أو القبيلة الذي تصدع به رؤوسنا، وتعتبره عاملا من عوامل المصالحة وتعزيز الوحدة وتمتين النسيج الاجتماعي داخل الوطن. الخبر الأول يتصل بجريمة بشعة نكراء، تمت في منطقة الزاوية في ليبيا، عندما قامت عصابة بخطف ثلاثة أطفال سنهم دون العاشرة، ينتمون إلى عائلة الشرشاري، ولا يزال الأطفال منذ أن خُطفوا إلى الآن، وقد مرت ثلاثة أسابيع، لا يعلم الأهل عنهم شيئا، وطفت معلومة عن أحد الخاطفين، اتجهت إليه قوى الأمن لاعتقاله، فلجأ محتميا بقبيلته التي استنفرت قواها لحمايته والدفاع عنه، وحصل اشتباك مسلح بينها وبين مسلحين، بعضهم ينتمون إلى الأمن وبعضهم إلى قبيلة الأطفال المختطفين. هذا هو الوجه الحقيقي للقبيلة التي تحمي عصابة إجرامية حقيرة حتى وهي تخطف الأطفال، والخبر الثاني عن عنصر من الدواعش تم رصده وضبطه، بعد ارتكابه لجريمته، فأسرع إلى الاحتماء بقبيلته التي أدخلته في غطاء الحماية والدفاع عنه ضد قوى الجيش والدولة.
هذه مجرد أمثلة للتجاذبات الداخلية والخارجية، التي تقف عائقا أمام الولاء للوطن وتقديم مصلحته على المصالح الأخرى، وتسهم في عرقلة إنجاز الحكومة التي يعلق عليها الناس آمالهم في إخراج البلاد من أزمتها، دون أن يعني ذلك أن هذا الوطن غائب من عقول الناس، فلا شك أن قوى الخير والالتزام الوطني هي الغالبية من أبناء الشعب، وهي بالتأكيد أغلبية في هذا الحراك السياسي نفسه صاحب الولاءات الكثيرة الفاسدة والمشبوهة. الأغلبية بالتأكيد ذات ولاء وطني متين وقوي، ولكن تعطل جهودها وتبددها هذه الفئات الضالة من أهل الحراك السياسي التائهين في مناح بعيدة عن الوطن، حتى وإن ظن البعض أن هناك توافقا بين ولائه الآخر، وولائه الوطني، فهو شيء لا يستقيم، لأن هناك لحظات يجب أن يتم فيها قطع دابر الشك باليقين الثابت وهو الوطن.
إذا ساد هذا المفهوم لدى الجميع وأصبح هو الهدف، وانتهى التشاحن حول من أين جاء هذا العنصر، وإلى من ينتمي الآخر، ولأي الأطراف نحسب هذا الثالث أو الرابع، صار للجميع ولاء واحد ولون واحد وأصبحوا جزءا في كتلة واحدة، تجمعهم رابطة واحدة اسمها ليبيا، وانتهى التشاحن وانتهت الخصومات ودخل الجميع متلاحمين متضافرين واضعين أيديهم في أيدي بعضهم البعض، معركة البناء والنهوض وتحقيق الازدهار والأمان والسلام لبلادهم بإذن الله.
(المصدر: العرب 2016-01-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews