خصخصة أرامكو والسنوات العجاف
منذ حديث صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد إلى مجلة "الإيكونوميست" والنقاش متواصل عن أرامكو من ناحية الفوائد والصعوبات التي قد تعترض تخصيصها. وهذا التناول العالمي والمحلي للأمر يتشعب ويدور في حلقات أحياناً يتراء لي إنها مفرغة.
لقد قرأت المقابلة الشيقة والمهمة مع مجلة "الإيكونوميست". وفيها الأمير محمد لا يتناول فقط أرامكو وحدها وإنما مجمل الاقتصاد السعودي. ولذلك فإن موضوع خصخصة أرامكو لا يخرج، كما يبدو لي، عن هذا السياق. فاقتصادنا من زمان وهو يحتاج إلى إعادة هيكلة. ومن قرأ توصيات الهيئات والمكاتب الاستشارية واطلع على نصائح صندوق النقد الدولي فسوف يلاحظ أن كل هذه الجهات المعتبرة تتكلم بصوت واحد عن ضرورة تحديث اقتصادنا. وهذا ما عناه، كما يتراء لي، صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد أثناء حديثه للمجلة الأكثر شهرة وتقديراً في العالم.
وأنا قد تمنيت في عدة مقالات سابقة أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى السماح للدورة الاقتصادية بأن تعمل عملها في اقتصادنا. فنحن مثلما نرى فإن الميزانية لعام 2016 قد جاءت توسعية. وهذا بحد ذاته لن يسمح للدورة الاقتصادية بأن تكنس كل التشوهات أو الطفيليات التي نمت على جانب وحول اقتصادنا. فمنذ خطة التنمية الأولى 1970-1975 التي وضعت على رأس أهدافها تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط ونحن- في هذا المجال- نراوح في مكاننا. فمساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لم يتم تصحيحها مثلما نطمح إليه. فمعظم الانخفاضات التي طرأت على حصة النفط، خلال الفترة الواقعة بين 1970 وحتى الآن، تعود في الأساس إلى انخفاض أسعار النفط. فهذه الأسعار إذا انخفضت ارتفعت مساهمة بقية القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي والعكس بالعكس. ونحن لسنا الوحيدين في هذا المجال. فالمرض الهولندي تعاني منه مختلف البلدان المنتجة للنفط. فهذه مثلاً روسيا البلد الصناعي الذي ينتج الطائرات والمعدات الحربية المتطورة يعاني اقتصادها من انخفاض عائدات النفط. وعلى هذا الأساس فإنها قد تخصص الشركة الضخمة "روس نفط".
إن حديث صاحب السمو الملكي قد جاء في الوقت المناسب. وهو يأتي بعد استشارات عالمية ومحلية- أبرزها الورشة الوطنية التي صاغت توصياتها برنامج التحول الوطني. ولذلك فإن موضوع تخصيص أرامكو يفترض أن يتم تناوله ضمن هذا السياق. وألا يقتصر النقاش فقط حول أرامكو وقوائمها المالية. فنحن في الوقت الذي نحمد الله ونشكره أن لدينا شركة ضخمة وعملاقة مثل أرامكو يفترض أن لا ننسى إنها جزء لا يتجزأ من اقتصادنا الذي يحتاج هيكله إلى إعادة تخطيط.
ولهذا فإن انخفاض أسعار النفط والحالة تلك يمكن أن ننظر إليه بإيجابية باعتبارها أداة الدورة الاقتصادية الذي سوف تساهم في تجديد اقتصادنا وتعافيه من التشوهات التي لحقت به خلال فترات تطوره السابقة- وذلك على الرغم من الأذى الذي قد يلحقه ذلك بنا على المستوى القصير والمتوسط. وهذا يحتاج إلى حملة توعية. لأن إعادة هيكلة الاقتصاد لن تكون مريحة بالنسبة لجيوبنا والمداخيل التي نحصل عليها على المدى القصير. وهذا لا يخص الافراد وحدهم. فقطاع الأعمال هو الآخر مدعو لتقديم التضحيات.
(المصدر: الرياض 2016-01-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews