أمريكا تجدد تزويد العالم بالمحروقات من باب الغاز المسال
"ذا إينرجي أتلانتيك"، الناقلة بطول 290 مترا التي تنطلق ببطء عبر خليج المكسيك، على وشك صُنع التاريخ. من المُقرر أن تصل إلى محطة الغاز الطبيعي المُسال سابين باس التابعة لشركة شينير إينرجي على ساحل لويزيانا، ليتم تحميلها بأول حمولة من الغاز الطبيعي المُسال الذي سيتم تصديره من الولايات المجاورة "الـ 48 في جنوب" الولايات المتحدة.
تلك الشحنة تُعتبر حدثاً مهماً بالنسبة لأسواق الطاقة، حيث تميّز وصول الولايات المتحدة كمورّد للغاز إلى العالم.
الانهيار في أسعار النفط منذ صيف عام 2014 تسبّب في انخفاض قيمة الغاز الطبيعي المُسال، الذي غالباً ما يُباع بعقود مرتبطة بالنفط الخام، وأحبط الإثارة فيما يتعلق بالصادرات الأمريكية. اقتصادات شحن الغاز من الولايات المتحدة كانت قوية للغاية قبل عامين، لكنها الآن هامشية. تدهور ظروف السوق أوقف أي استثمارات جديدة في الغاز الطبيعي المُسال في الولايات المتحدة.
مع ذلك، فإن صادرات الغاز الطبيعي المُسال في الولايات المتحدة من المرجح أن يكون لها تأثير كبير، حيث تُبقي على تكاليف الطاقة منخفضة بالنسبة للمستهلكين في أوروبا، وأمريكا اللاتينية وآسيا. كما توفّر أيضاً منافسة قوية لأي شخص يأمل في بناء محطات منافسة للغاز الطبيعي المُسال، مثل المشاريع المقترحة في شرق إفريقيا، أو غرب كندا، أو روسيا.
بحلول نهاية العقد، من المرجح أن تكون الولايات المتحدة ثالث أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم، بعد قطر وأستراليا.
جنباً إلى جنب مع الإمدادات الجديدة من مشاريع جورجون وويتستون الضخمة التابعة لشركة شيفرون في أستراليا، المُقرّر أن تبدأ التدفّق هذا العام، فإن الصادرات من الولايات المتحدة تجعلها بمنزلة سوق لمشتري الغاز الطبيعي المُسال.
يقول فرانك هاريس من الشركة الاستشارية، وود ماكينزي: "هناك كثير من الغاز الطبيعي المُسال الذي يتدفق حول العالم في الوقت الراهن، مع توقّع قدوم كميات أكبر حتى من ذلك بكثير. وهذا يضع الضغط على الأسعار لتنخفض".
قبل عقد من الزمن، هذا الاحتمال كان يبدو مستبعدا تماما. وكان إنتاج الغاز في الولايات المتحدة يتراجع، وبحلول العقد الأول من الألفية، كان من المتوقع أن تكون أمريكا بمنزلة مستورد كبير للغاز الطبيعي المُسال، وليس من البلدان المُصدّرة.
طفرة النفط الصخري، نتيجة التطوّرات في تقنيات الإنتاج التي جعلت من المُمكن استخراج الغاز بأسعار مُجدية تجارياً من الصخور التي كانت عنيدة في السابق، كانت تعني أن إنتاج الولايات المتحدة بدأ يرتفع مرة أخرى عام 2006، ومنذ عام 2011 كانت تُحطّم أرقاماً قياسية جديدة كل عام.
شريف السوقي، المؤسس الحالم لشركة شينير، الذي طُرد من الشركة في نهاية العام الماضي، كان واحداً من أول من رأى إمكانات تصدير الغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة.
في عام 2010، قدّم أول طلب إلى المُنظّمين لتحويل محطة استيراد الغاز الطبيعي المُسال التي كانت قد بنتها شركة شينير في سابين باس، التي بالكاد كانت تُستخدم، لأن إنتاج الغاز المحلي في الولايات المتحدة كان قوياً جداً، إلى محطة لتسييل الغاز الطبيعي.
كثيرون في الصناعة كانوا مُتشكّكين في أن المشروع يُمكن أن ينجح، لكن الخطة أخذت خطوة حاسمة إلى الأمام في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2011، عندما وقّعت مجموعة بريتش بتروليوم البريطانية عقداً لمدة 20 عاماً لشراء معظم الإنتاج من أول "قافلة" من محطة سابين باس، كما كانت وحدات إنتاج الغاز الطبيعي المُسال معروفة. بعد توقيع ذلك العقد، تحوّل العدد القليل من المقترحات من أجل مشاريع مماثلة إلى فيضان.
تلقّت وزارة الطاقة الأمريكية طلبات لتصدير الغاز الطبيعي المُسال من أجل 54 مشروعا. إذا تحقّقت جميعها، سيكون لها القدرة على تسييل نحو 60 في المائة من كامل إنتاج الغاز في الولايات المتحدة.
حتى الآن، خمس محطات فقط بدأت العمل: محطة سابين باس التابعة لشركة شينير ومشروع كوربوس كريستي في تكساس؛ محطة فريبورت للغاز الطبيعي المُسال، أيضاً في تكساس؛ ومحطة كاميرون للغاز الطبيعي المُسال في لويزيانا؛ ومحطة كوف بوينت للغاز الطبيعي المُسال، على الساحل الشرقي في ماريلاند.
تلك المشاريع كانت قادرة على إحراز تقدّم لأنها كانت سريعة بما فيه الكفاية في توقيع الزبائن على عقود طويلة الأجل تضمن إيراداتها. منذ نهاية عام 2014، أولئك الزبائن، ومعظمهم منشآت عامة في أوروبا وآسيا، كانوا مُتردّدين في تقديم أي التزامات إضافية.
سعر الغاز الطبيعي المُسال الذي يتم منحه في شمال شرق آسيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، أكبر سوقين في العالم، انخفض جنباً إلى جنب مع سعر النفط، فقد انخفض إلى نحو 6.65 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ثلث سعره كان نحو 19 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية قبل عامين، وذلك وفقاً لوكالة خدمة المعلومات، آرجوس.
بهذا السعر، مع السعر القياسي للغاز الأمريكي بنحو 2.40 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، إضافة إلى تكاليف التسييل التي تراوح بين ثلاثة دولارات و3.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، إضافة إلى النقل بتكلفة تبلغ نحو دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، فإن الغاز الطبيعي المُسال من لويزيانا أو تكساس لا يبدو أنه جذّاب من الناحية التجارية.
هناك حسابات مماثلة تنطبق على أوروبا. انخفض مؤشر نقطة توازن الغاز الوطني في المملكة المتحدة بمقدار النصف منذ عام 2013 إلى نحو 5.20 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهذا يعني أن صادرات الغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة إلى بريطانيا من غير المرجح أن تُغطي جميع تكاليفها.
منذ عام 2013، معظم مشاريع الغاز الطبيعي المُسال الجديدة التي انطلقت في جميع أنحاء العالم كانت في الولايات المتحدة، لكن تدهور الاقتصادات يجعل من غير المرجح أن تتم الموافقة على أي محطات جديدة لبعض الوقت.
على أن من المُستبعد للغاية أن يتم إيقاف المحطات التي بدأت البناء بالفعل. السبب في ذلك هو أن الشركات التي تشتري الغاز الطبيعي المُسال من إحدى هذه المحطات، قدّمت التزامات صارمة لمدة 20 عاماً يجب أن تدفع بموجبها الرسوم التي وعدت بها، حتى لو لم تستخدم القدرة الإنتاجية.
مشاريع الغاز الطبيعي المُسال في الولايات المتحدة ستزيد من العرض الفائض العالمي،حيث قدّرت شركة بيرنشتاين للأبحاث أن قدرة التسييل في العالم سوف ترتفع في الأعوام الثلاثة المُقبلة بمقدار 90 مليون طن سنوياً، وهو عبارة عن زيادة 35 في المائة من الطلب الحالي.
نيكوس تسافوس من شركة الأبحاث، إيناليتيكا، يقول إن الغاز الطبيعي المُسال الأمريكي ينبغي أن يُساعد بإبقاء أسعار الغاز منخفضة لبضعة أعوام على الأقل.
عندما يتم أخيراً استيعاب العرض الفائض العالمي من خلال ارتفاع الطلب، فإن الموجة التالية من المحطات في الولايات المتحدة، بما في ذلك مشاريع مدعومة من شركة إكسون موبيل وشركة كيندر مورجان، سوف تستعد للاستفادة.
هناك مصادر جديدة محتملة وواعدة أخرى للغاز الطبيعي المُسال في العالم، بما في ذلك مشاريع لتطوير اكتشافات الغاز الكبيرة قبالة ساحل موزامبيق.
تلك هي كميات غير معروفة نسبياً مقارنة بأنماط مألوفة للتطوير في تكساس ولويزيانا.
يقول تسافوس: "إذا لم تتحقّق تلك المشاريع الأخرى، بإمكاننا دائماً اللجوء إلى الولايات المتحدة".
(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-01-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews