سنة جديدة لفخامة الفراغ في لبنان
يصادف هذا السبت الرقم «595» في عدد أيام الفراغ الذي يتراكم في رئاسة الجمهورية اللبنانية وينعكس تعطيلاً متماديًا لسلطات الدولة، التي تتخبط في الشلل والعجز إلى درجة حالت دون اتفاق الفرقاء السياسيين حتى على حل لأزمة النفايات، وهو ما حوّل شوارع بيروت وضواحيها مكبًا تتعالى فيه شتائم الناس أكثر مما ترتفع أكياس الزبالة.
وهكذا أقفل عام 2015 على حكومة مشلولة ومجلس نيابي مغلول، وعلى دولة عاجزة تسرع الخطى نحو الانهيار، لتبدأ سنة جديدة، من الواضح تمامًا أنها لن تكون أفضل من سابقتها لجهة الاستحقاق الرئاسي، بما يعني أن الفراغ سيتراكم والعجز سيتعاظم واليأس سيتفاقم.
ولعل ما يزيد من حلكة هذه الصورة أن لبنان هو تمامًا كما استنتج رئيس الحكومة تمام سلام بعد مشاركته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، دولة منسية ليست في حساب أحد ولا على جدول هموم أحد، خصوصًا في ظل هذه المرحلة التي تتناسخ فيها المشكلات الإقليمية، بما يعني أن الأزمة اللبنانية مديدة جدًا!
رغم هذا، فإن حزب الله وضع بعد صمت طويل وحرج كبير، حجرًا ثقيلاً في وجه مبادرة الرئيس سعد الحريري الأخيرة، التي سعت إلى فتح صفحة جديدة للخروج من الأزمة، عبر ما اعتبره البعض بمثابة اقتراح «الخطة ب» على تجمع «8»، عبر الإيحاء بقبول زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، وهو حليف حزب الله، رئيسًا للجمهورية!
جاء ذلك بعدما استفحلت أزمة الفراغ وباتت تهدد بإسقاط الدولة، خصوصًا بعد تمسك جماعة «8» بالنائب ميشال عون مرشحًا وحيدًا للرئاسة على طريقة «هو أو لا أحد»، وسط إصرار على المضي في الفراغ الرئاسي إلى النهاية بما يمكن أن يسقط مشروع الدولة، ويفرض نظرية «المؤتمر التأسيسي» التي لطالما لمح إليها حزب الله كمخرج لا مفر منه، ولو بثمن ثقيل على المسيحيين تحديدًا، لأنه من الواضح أنه يريد استبدال المناصفة بينهم وبين المسلمين التي أقرها «اتفاق الطائف» بالمثالثة بينهم وبين السنّة والشيعة!
حزب الله صمت أسبوعين ونيفًا على مبادرة الحريري بترشيح فرنجية، التي أصابته بكثير من الضيق والإحراج، وأثارت خلافًا متصاعدًا بين حلفائه المسيحيين؛ أي «التيار الوطني الحر» و«المردة»، وهو خلاف يتجاوز التنافس الشخصي على الرئاسة، إلى صدقية التعهدات السابقة، وتحديدًا ما اعتبره فرنجية نكولاً من عون عن الاتفاق الذي عقده الموارنة الأربعة: ميشال عون، والدكتور سمير جعجع، والرئيس السابق أمين الجميل، وسليمان فرنجية، أمام البطريرك الماروني بشارة الراعي، والذي يقضي بتأييد أي واحد من هؤلاء الأربعة يملك فرصة الوصول إلى الرئاسة، إن لم يكن بالتصويت له، فعلى الأقل عبر النزول إلى مجلس النواب وتأمين النصاب لانتخابه.
وهكذا جاءت تهنئة حزب الله للبطريرك الماروني بمناسبة الأعياد أشبه بإعلان صريح عن الإصرار على المضي في تعطيل النصاب في مجلس النواب، الذي عقد حتى الآن 34 جلسة ولم يتمكن من انتخاب رئيس جديد، عندما أعلن السيد إبراهيم السيد صراحة من بكركي، أن الحزب التزم مع الجنرال عون بترشيحه لرئاسة الجمهورية، ولهذا فإنه لا يستطيع أن يتحلل من هذا الالتزام أمام أي معطيات جديدة أو أمام أي مفترق سياسي جديد، أو أن يتخلى عن التزامه هذا.
وإذا كان هذا يعني التمسك بعون مرشحًا حصريًا للرئاسة بما يقطع الطريق على فرنجية وعلى مبادرة الحريري، فقد جاء الإعلان عن أن الحزب ليس الطرف الذي عليه أن يبادر إلى تذليل العقبات أمام المبادرة أو التسوية التي اقترحها الحريري، ليؤكّد أن الفراغ مستمر وطويل، بعدما كان اجتماع عون وفرنجية قد انتهى بحملة تراشق بين الطرفين على وسائل الاتصال الاجتماعي!
المضحك المبكي أن جماعة «8» كانت تكرر دائمًا أن «بيت الحريري» هو الذي يختار عن المسيحيين زعماءهم، وقد قيل هذا عندما تبني «تيار المستقبل» ترشيح الدكتور سمير جعجع للرئاسة بداية، ولكأن تمترس حزب الله الدائم وراء ميشال عون مرشحًا على طريقة «أنا أو لا أحد»، ليس اختيارًا أو فرضًا من الحزب لرئيس الجمهورية الماروني نيابة عن المسيحيين، ولهذا لطالما كان من الضروري والملحّ دائمًا أن يتأمل المسيحيون، والموارنة خصوصًا، هذا الواقع المزري الذي يحشرون أنفسهم فيه!
عندما قال سعد الحريري للنائب عون في الماضي إنه لن يعارض انتخابه رئيسًا إذا حصل على تأييد المسيحيين، لم يكن يصنع عقدة، بل كان يحاول قطع الطريق على القول إن «بيت الحريري» هو الذي يختار الرئيس نيابة عن المسيحيين، ورغم هذا، فإنه عندما طرح مبادرته لتأييد فرنجية قبل أسابيع قيل أيضًا في أوساط العونيين إنه يحلّ محلّهم في تسمية المرشح للرئاسة، وهكذا عندما يقال الآن في أوساط «14» إن تمسك حزب الله بعون يمثّل اختيارًا للرئيس الماروني نيابة عن المسيحيين، تبدو الصورة متشابهة تمامًا!
رغم المعارضة الواضحة لمبادرة الحريري، التي تعمّد حزب الله إعلانها صراحة من بكركي، فإن السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي لم يتردد في الإعلان بعد زيارة البطريرك الراعي، أن التدخلات الخارجية هي السبب في تأخير انتخاب رئيس لبناني جديد، وأن «إيران لا تتدخل في الشؤون السياسية الداخلية اللبنانية، انطلاقًا من مبادئنا واستراتيجياتنا حيال الدول، ولا سيما لبنان»!
هذا الكلام أثار حفيظة كثير من اللبنانيين، الذين يعرفون جيدًا أن تعطيل النصاب النيابي الذي يحول دون انتخاب الرئيس، هو قرار اتخذه حزب الله منذ البداية، ليس بالضرورة تمسكًا بحصرية ترشيح عون، بل ربطًا لموضوع الاستحقاق بملفات إيرانية حساسة يجمع كثيرون في لبنان والخارج على أنها كانت في البداية تتصل بمفاوضات طهران مع الغرب على الموضوع النووي، وباتت الآن تتصل بالمستجدات التي تقلق إيران في الساحة السورية.
وفي هذا السياق، يرى المراقبون أن التدخل الروسي في سوريا، أدى أخيرًا إلى طرح علامات استفهام مقلقة حول مصير «الحرس الثوري» في الساحة السورية، التي تشكّل جسر عبور حيويًا إلى جنوب لبنان، خصوصًا في ظل ما نشر عن تسابق بين طهران وموسكو على «الجبنة العلوية»، ولهذا بات الاستحقاق مرتبطًا بحسابات إيران في سوريا، وهو تحديدًا ما دفع البعض إلى التعليق على تصريح السفير الإيراني عن عدم التدخل في الشؤون اللبنانية، عبر تذكيره بتصريحات القادة في طهران الذين سبق أن قالوا إنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم؛ بينها بيروت، واقترحوا أخيرًا فتح الحدود الممتدة من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا!
(المصدر: الشرق الأوسط 2016-01-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews