واحد مقابل مليون ونصف
نشأت ملحم، القاتل من شارع ديزنغوف، استنفد هذا الاسبوع هالته. إذا كانت هناك حقيقة ولو بالهمس مصدرها الاجهزة الامنية، فانه يختبيء في مكان ما في الضفة. إن نجاحه في تنفيذ أهدافه والهرب بدون اصابة واجتياز الجدار هو اهانة للشباك خاصتنا. لكن فعليا هذا يعني الطمأنينة. فآجلا أم عاجلا سيتم الوصول اليه، اعتقاله أو قتله. القاتلون أمثاله هم لمرة واحدة.
عارة هي القرية التي ولد فيها ملحم، وهي موجودة في غرب وادي عارة شمال شارع 65. منزل العائلة يوجد في شمال القرية فوق تل مُطل. منزل كبير ومهمل. طريق ترابية تؤدي منه شمالا إلى موقع عسكري للجيش الاسرائيلي تابع لغولاني على مسافة خمس دقائق سفر. يُطل منزل ملحم على مبنى الموقع العسكري. «احيانا نسمح اطلاق النار وانفجارات»، قال لي صاحب المنزل المقابل ويضيف «ليس هذا الامر سيئا».
عملية القتل في تل ابيب أظهرت مسألة يحاول الاسرائيليون في اليمين وفي اليسار اخفاءها: عرب اسرائيل. ليس مسألة واحدة: مليون ونصف مسألة، مليون ونصف انسان وكل واحد وقصته الشخصية وعالمه. «هناك حرب بين شعبي وبين دولتي»، قال قبل سنوات كثيرة عبد العزيز الزعبي، عضو الكنيست في الحركة الصهيونية مبام. هوة كبيرة بين عبد العزيز الذي توفي في 1974 وبين قريبته حنين الزعبي. لكن المفارقة بقيت كما هي.
إن المفارقة تقلق اليوم ليس العرب فقط في وادي عارة بل ايضا الاسرائيليين في رعنانا. القناة 10 استضافت في هذا الاسبوع امرأتين من رعنانا أقامتا هيئة لمحاربة البناء الجديد في المدينة. ويعمل في هذا البناء العمال العرب وهم يُخيفهن. إنهن يرفضن ارسال اولادهن إلى الحديقة بالقرب من المبنى الذي يعمل فيه العرب. سألت وزيرا في الحكومة عن رأيه في الاحتجاج في رعنانا. وقد حدثني عن إبنه الذي يتعلم في روضة قريبة من مبنى قيد الانشاء. «أنا ايضا أخاف»، قال.
نسبة الخوف في رعنانا ازدادت في أعقاب ثلاث عمليات طعن حدثت في المدينة. لكن من الخطأ اعتبار ذلك مشكلة محلية. إرهاب الافراد ـ الطعن والدهس والآن اطلاق النار ـ أثار مخاوف نائمة. الخوف هو ايضا الأداة الكلامية التي يجند نتنياهو من خلالها تأييد الجمهور. قبل سنة فقط كان الخوف الاكبر هو إيران. فلم نكن نحن فقط على شفا التدمير بل جميع الدول التي كان يفترض أن نهرب اليها، كانت على شفا التدمير. وتم استبدال إيران بأبو مازن. وعلى مدى اشهر كان هو الشخص الذي قض مضاجع اولادنا.وفي يوم الانتخابات انضم إلى أبو مازن عرب اسرائيل. الاحاديث الكاذبة عن العرب الذين يتدفقون إلى صناديق الاقتراع، مع الوجه المتكدر والخائف على خلفية خارطة تهديدية للشرق الاوسط، سرق 3 ـ 4 مقاعد من الاحزاب اليمينية. تم تحقيق الهدف بل وأكثر من ذلك. وفي السياق زاد نتنياهو من ازمة الثقة بين المواطنين العرب والدولة. والأهم من ذلك أن الاحاديث التي تتم في الصالونات أصبحت علنية. ليبرمان ليس وحده. ومنذ الآن الأم في رعنانا ايضا قلقة وبشكل طبيعي فهي تنتخب لبيد وتستطيع أن تعتبر كل الوسط العربي عدو. منذ الآن يستطيع السياح الاسرائيليون القادمون من أثينا إنزال مسافرين من الطائرة فقط لأنهم عرب. لديهم تصريح لفعل ذلك من رئيس الحكومة.
الخوف انساني؛ على الصعيد الانساني هو أمر يمكن فهمه. ولكن حينما يتم تسريعه من الحكومة فانه يكون بداية التمييز العنصري. في أحد خطاباته في هذا الاسبوع طلب نتنياهو من عرب اسرائيل «الولاء للقانون»، وليس انصياعا للقانون كما هي الحال في كل دولة ديمقراطية، بل ولاء له. يسهل فهم من أين جاء هذا: من اعلان الولاء الذي طلبه ليبرمان. رأى نتنياهو أن ليبرمان يتقدم في الاستطلاعات. وفهم الرسالة. إن هذه مجرد تمثيلية، يقول وزراء في الحكومة. مجرد تصريحات. وفعليا هو لا يفعل أي شيء. أحدهم تحدث عن قرار الحكومة سحب حقوق المواطنة من المخربين من شرقي القدس الذين بقوا على قيد الحياة. القرار كان له عناوين كبيرة ـ وبقي على الورق.
الدرس والوطن
في جنوب مدينة الناصرة كان ذات يوم موقع لصندوق المرضى وبيع وتحول إلى فندق. الفندق على الأقل حتى هذا الاسبوع كان فارغا من السياح. اجتمعت فيه مجموعة مثيرة للفضول، معلمات ومعلمين. المعلمات كن يهوديات والمعلمين عرب. إنهم شركاء في مشروع مبادرة الدورة من قبل جفعات حبيبة. الفكرة هي توسيع تعليم اللغة العبرية في المدارس في الوسط العربي. المعلمون الاسرائيليون يصلون إلى المدارس في الوسط العربي ويقومون بتعليم العبرية. 10 آلاف طالب يشاركون اليوم في المشروع. وفي العام القادم يفترض مضاعفة العدد. ويسمى المشروع «كل شيء سيكون على ما يرام». هذا الاسم يعكس بالضبط وضعنا في الآونة الاخيرة.
ما ستقرأونه هنا يناقض ويُكمل ما قرأتموه في رأس الصفحة. لا يوجد فيما ستقرأونه خوف؛ يوجد أمل.
المعلمون هم شعب متفائل.
ياعيل شريغ تُعلم في مدرسة للبنات في أم الفحم. «في صباح ما جاء إلى الصف خمس بنات يلبسن الكوفيات ويرفعن علم فلسطين»، قالت، «جلسن أمامي، معلمة اخرى أقل أقدمية كانت ستهرب من الصف.
قلت لهن هل تردن الحديث. تحدثن وأخرجن مشاعركن. ليس من المفروض التحدث في السياسة في الصف، لكن يمكن التعبير عن المشاعر. البنات تحدثن وتحدثن، وفي اليوم التالي جئن بدون الكوفيات. وقدمن الشكر».
شريغ تسكن في منطقة متان التي يسكن فيها رجال من قوات الامن السابقين. «عندما أقف في الصف في المدرسة أعرف أنني اخترت التعليم هناك. كان يمكنني التعليم في كفار سابا أو أي مكان. لكن التعليم هناك هو نوع من العقلانية في دولة فقدت عقلها».
يفعات بن درور، معلمة أخرى في أم الفحم، قالت: «في أحد الصفوف في بداية السنة قال طالب عن أحد المخربين إنه أجمل رجل. لاحظت أنه يرغب في التحدث. إنه طالب جميل وأنا أحبه جدا. الحديث معه تم بمساعدة الصور لأن لغته العبرية ضعيفة وأنا لا أتحدث العربية. وقد حدّثني الطلاب عن القرآن وطلبوا مني احضار التوراة. تحدثنا عن التقبل الديني. وكانت هذه نقطة تحول».
كيف تم استقبالكن في غرف المعلمين؟ سألت.
«حينما دخلت في المرة الاولى أدارت لي احدى المعلمات ظهرها وقالت هل أنت من كيبوتس مجدو؟ لقد أخذ هذا الكيبوتس أراضي عائلة زوجي. فأجبتها أنني لست من مجدو بل من قيصاريا. أنا أسكن فوق اراضي هورودوس. وقد أصبحنا صديقتين».
«ليس الامر دائما بهذه الوردية»، قالت دفنه فريمان. «اثناء الدرس يتم طرح الكثير من الاسئلة ولا سيما من الاولاد. يطلقون الشعارات. لماذا تقتلون المسجد الاقصى، يسألونني. ماذا يوجد لكم هناك. إنهم لا يعرفون ما هو الاقصى وماذا كان في الحرم وما الذي نريده منهم ومن هم. ليس عندي حلول سياسية لاعطائها لهم، لكنني أعرف أن الحل سيوجد إذا سألوا الاسئلة. هناك أمور يصعب علي كيهودية أن أسمعها، لكن مهم أن أسمع بصفتي معلمة».
الصراع أدى إلى الشلل
«أنا لا أخاف من القتلة في دوما»، قال موشيه هلنغر، وهو محاضر في جامعة بار ايلان. «اذا تعاملت الدولة معهم بقبضة حديدية فيمكنها كبحهم. أنا أخاف من ظواهر اخرى في الصهيونية الدينية».
هلنغر وزميله تساحي هرشكوفيتش بحثا في مستوى التمرد في الوسط الصهيوني الديني. وقد تم نشر هذا البحث في كتاب («الالتزام وعدم الالتزام في الصهيونية الدينية ـ من غوش ايمونيم وحتى شارة الثمن») والكتاب من اصدار معهد الديمقراطية. يصف الاثنان العلاقة المعقدة بين القبعات المنسوجة وبين الدولة منذ اقامتها. وقد التقيت مع هلنغر في جامعة بار ايلان.
«الانتقال الحاد من الشعور بالدونية إلى موقع القوة هو اشكالي»، قال هلنغر. «ليس من السهل مواجهة ذلك. في المقابل حدث انتقال معاكس في اليسار الصهيوني من موقع القوة إلى الدونية، وهذه ايضا مسألة معقدة». هلنغر قال ايضا «في 1967 بدأ التوجه المسيحاني. لكن الصدمة في 1973 التي أصابت الخريجين من حزب العمل هي التي أيقظت الوسط الصهيوني الديني حيث كان يسود شعور «الآن دورنا».
«الكثير من مظاهر عدم الانصياع من غوش ايمونيم تم تبريرها من خلال: نحن الصهيونية الحقيقية. الدولة تريد بالفعل ما نريده لكنها لا تجد الطريق. وعرف المستوطنون كيف يعملون مع الحكومة في الوقت الذي يعملون فيه ضدها. أريد أن أكون منصفا تجاههم: حينما عملوا ضد القانون لم يأخذوا الاموال لأنفسهم. كانوا على قناعة أن ما يفعلونه هو من اجل اسرائيل. في التنظيم السري اليهودي حاولوا تبرير افعالهم من خلال التلميحات التي حصلوا عليها من اشخاص في السلطة. من فؤاد بن اليعيزر مثلا.
«حدث الانكسار في الانفصال. كان يوجد هنا مبدأين دينيين عميقين تصادما مع بعضهما البعض. من جهة تحولت ارض اسرائيل والاستيطان فيها عندهما إلى مسألة مقدسة؛ ومن جهة اخرى قاما بتقديس الدولة ومؤسساتها. قداسة البلاد مقابل قداسة الرسمية. وهذا التصادم أدى إلى الشلل.
«نحن لا نزعم أن الوضع هكذا اليوم. الدروس من الانفصال واخلاء عمونة دفعت الحاخامات المؤيدين للرسمية إلى اعادة النظر. إنهم يميلون اليوم أكثر للرفض. الارض مقدسة حسب رأيهم أكثر من قداسة الدولة. في الماضي كان رفض الالتزام بقرارات الجيش هامشي. وهذه الهوامش تتسع.
«اذا حدث اخلاء آخر فأنا لا اعتقد أنه سيكون هناك رفض جماعي. لكن القادة في الجيش الاسرائيلي سيضطرون إلى فحص من هي الوحدات التي يجب ادخالها إلى الداخل وأي وحدات لا. اخلاء بيت ايل مثلا أو ألون موريه سيكون صعب جدا.
«وفي حال كان هذا مفروضا من الخارج فيمكن القول حينها إن انقاذ الأرواح أهم. اتفاق اوسلو خلق الكثير من الغضب لأنه تم بشكل طوعي. ولو كنت مكيافيلي لكنت اقترحت على الحكومة أن تتعاون مع قوة اجنبية تفرض الانسحاب. وكان هذا الامر سيقبله الوسط».
هلنغر مع القبعة السوداء يضع نفسه في الوسط ـ يسار، ويضع شريكه هرشكوفيتش، إبن رئيس الجامعة، في اليمين. وهو يؤيد استخدام وسائل التحقيق الشديدة ضد «شارة الثمن». «اؤيد استخدام التحقيق الغير عنيف في الشباك»، قال، «منع النوم مثلا والتعذيب المعتدل. يجب مواجهة هؤلاء الزعران لأنهم مرض مُعدي.
«لن أقلق إذا أطلق الجيش الاسرائيلي النار على اسرائيليين يطلقون عليه، حتى لو قتلهم. إنهم الهوامش ويجب ردعهم».
(المصدر: يديعوت 2016-01-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews