ما هو البديل لمشروع الدولة السنية بالعراق
المحاولات الجديدة لإنشاء ما يسمى بـ”الدولة السنية” في العراق تأتي بعد أن تعبت وترهلت فرسان الطائفية، الشيعية والسنية، وأصبحت عاجزة، رغم انفرادها بالملعب، على مواصلة اللعب بمصالح الناس وحقوقهم وكراماتهم. لقد وصلت جميع أحزاب وتكتلات العملية السياسية، عربا وأكرادا، إلى مأزقها السياسي، بعد أن نُهب العراق الغني بإنسانه وثرواته إلى درجة أن الحكومة غير قادرة على سداد رواتب الموظفين. جمهور الشيعة لم يعودوا يثقون بحملة شعار “مظلومية الشيعة” الذي أنهى الأميركان مفعوله عام 2003 بتسليمهم الحكم للزعامات السياسية الشيعية، وتظاهرات مدن الوسط والجنوب في الربع الأخير من العام الماضي دليل على ذلك.
هناك تناقضات مصلحية عميقة بين الأطراف السياسية الشيعية، خصوصا بعد تنامي قوة “الميليشيات” على المستويين الأمني والعسكري، وأصبحت لديها قيادات سياسية نافذة لديها حضور قوي وحاضنة طائفية عند بعض الأطراف مثل حزب الدعوة مقابل انزعاج من قيادتي الصدر والحكيم، وهناك قلق جدي تعيشه أطراف البيت الشيعي عمّقه النفوذ الإيراني المتعاظم في العراق، ولم يتبلور بعد مشروع “الإقليم الشيعي” الذي سبق لقيادة الحكيم أن طرحته عام 2010، لأن إيران تريد العراق كله، وقد تقبل بجزء منه إذا ما أصبح هو الطريق الوحيد للحل في العراق. فإيران “القومية” لا تريد عراقا وطنيا عروبيا يطرد التيار الطائفي من صفوف أبنائه، تريده عراقا “شيعيا” فهو الستار الوحيد الذي يمرر مصالح إيران على أرض العراق.
أما جمهور العرب السنة فقد فقدوا ثقتهم بتلك الوجوه التي لعبت خلال أكثر من عشر سنوات على معاناتهم، ولم يعودوا يسمحون باستمرار هؤلاء في المتاجرة بمعاناة “العرب السنة” أمثال (النجيفي إخوان والمطلك والعيساوي والكربولي وغيرهم) لقد سقطوا جميعا وعليهم الانسحاب من المشهد السياسي العراقي إن بقت في أوراقهم الممزقة بقايا كرامة سياسية وشخصية.
أما الجمهور الكردي فلديه مشكلات متزايدة مع قياداته التقليدية التاريخية، والمتمثلة بقيادة البارزاني مقابل الاتحاد الوطني الذي تقوده حاليا هيرو خان زوجة جلال الطالباني العاجز صحياً، وقيادة التغيير والأحزاب الإسلامية الكردية. وهذا الصراع قاد إلى انقسام خطير في القيادات الكردية حول النفوذ، رغم اتفاقهم جميعا على الموقف القومي الكردستاني في أزمتهم مع الحكم في بغداد.
إذن جميع القوى المحلية وصلت إلى طريق مسدود بسبب المأزق الطائفي والانغلاق نحو المصالح وهيمنة مافيات الفساد. ولهذه تأتي الدعوة بإقامة “الدولة السنية في العراق” كحبل نجاة لهؤلاء السنة وللبارزاني الذي يسعى للحفاظ على مواقعه الرئاسية في كردستان، بعد تصاعد الدعوات لإزاحته عن رئاسة كردستان. إنه يعتقد، وهذا صحيح، أنه قد قدم خدمة كبيرة للعرب السنة في إيوائه قرابة مليون نازح منذ يونيو 2013 في وقت أغلق حكام بغداد عاصمة العراق بوجوههم، كما احتضن ورعى القيادات العربية السنية وبعض القيادات البعثية المدنية والعسكرية المطاردة من حكومة بغداد. ولهذا يعتقد أن مردود ذلك هو في الدخول بإدارة مشروع “الدولة السنية”.
إلى جانب المتحمسين لهذا المشروع من الشخصيات العربية السنية، وأبرزهم النجيفي إخوان والمطلك والعيساوي والخنجر وغيرهم، وكل واحد من هؤلاء لديه مصالحه الشخصية النفعية ويحاول إحياء حياته السياسية المنقرضة، ويبدو أن خميس الخنجر هو الأكثر حماسة ونشاطا في الدعوة لقيام مشروع عربي سني رغم عدم وضوح رؤيته السياسية، ويعتقد أن ورقة العشائر ما زالت لاعبة، لهذا فهو ينفق الأموال السخية على صناعتها وتقديمها لدول الإقليم المعنية، لكن هذه الورقة قد تمزقت في ظل المستجدات المحلية والإقليمية، وما زالت أمامه الفرصة لتجاوز هذه المشاريع الفاشلة ومن بينها مشروع “الدولة السنية” والمشاركة في مشروع عراقي جدي لا طائفي تشتغل عليه حالياً النخب الجديدة من العرب السنة.
إقليميا رعاة المشروع العربي السني في العراق هما تركيا والسعودية بعد تراجع الدور القطري رغم أنه لم يكن ذا فعالية داخل العراق إلا بمقدار الأموال لبعض المتكسبين من وجوه العرب السنة الذين امتلأت خزائنهم وما زالوا يطلبون المزيد. السعودية لها وضع تاريخي معروف من الملف العراقي، فهي أول من أسس نواة المعارضة العراقية ضد نظام صدام عام 1991 بإنشاء حركة الوفاق (أياد علاوي وصلاح عمر العلي) لكن الأميركان أبلغوهم عام 1995 بسحب أيديهم وامتثلوا لذلك، وبعد دعمهم للجيوش الأميركية المحتلة للعراق عام 2003 لم يعودوا متحمسين لأي مشروع عراقي جدي إلا بمقدار دعمهم لأشخاص من العرب السنة يدعون أكثر مما يفعلون، ولهذا فالمأزق الحالي الذي وصلت إليه الزعامات السنية يقابل من قبل السعودية بدعم معنوي ومادي محدود ومبرمج وليس لوجيستي مثلما يشيع الإعلام الإيراني وأدواته في العراق، والسعوديون يحاولون بناء موازنة ردع سياسي للنفوذ الإيراني بالعراق، ودخولهم مشروع “الدولة السنية” لن يتبلور إلا بعد معرفة الموقف الأميركي منه.
أما الجناح التركي الداعم للسنة في العراق، فهو ذو أبعاد أيديولوجية عقائدية، مشكلة الأتراك هي أنهم وضعوا مشاريعهم في العراق في سلة الحزب الإسلامي فقط ولم يفتحوا عيونهم نحو النخب العربية السنية الليبرالية التي يفترض أن تكون أقرب إلى سياساتهم، وليس صحيحا وفق الإعلام الإيراني وأدواته أيضا بأن الأتراك يريدون ضم الموصل إليهم حتماً. الأتراك يراقبون تطورات الملف العراقي إلى جانب الوضع السوري، إلى جانب الوضع الكردي المعقد، ولكي لا يخسروا أي خيار فهم غير متعجلين في الدخول في مشروع طائفي يؤدي إلى خسارتهم، رغم أنهم كذلك يجعلون من هذا الملف ورقة مقابل ما تشتغل عليه إيران. الأميركان حسب المعلومات المتوفرة غير متحمسين كثيراً لمشروع “الدولة السنية” وحضروا الاجتماعات التي تمت نهاية ديسمبر الماضي حول المشروع بصفة مراقب.
الرد الحقيقي لحالة الفراغ السياسي وفي ميدان العرب السنة يتطلب قيام النخب الجديدة غير المتورطة في العملية السياسية الفاشلة وغير المتلوثة بالفساد، بالمبادرة بإطلاق مشروع وطني عراقي يـتأسس أولا بإمكانيات نواة تلك النخب وتتم حوارات جدية مع القيادات الكردية وبصورة خاصة قيادة الاتحاد الوطني التي تمتلك رؤية سياسية منفتحة أكثر من قيادة البارزاني، رغم ما يقال عن علاقاتهم المتينة مع إيران، وهو أمر لن يعيق قيام المشروع العراقي الوطني، فكل القيادات الكردية لديها علاقات تاريخية بإيران لأسباب معروفة. وهناك ميكانيزم للعمل فيما إذا ما حصلت توافقات بين الأطراف الوطنية العراقية، وذلك لإجهاض المشروع الطائفي الجديد وتقديم البديل العراقي.
(المصدر: العرب 2016-01-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews