القبة الحديدية الانسانية
قوة منظومة الصواريخ التي كان يفترض بها ان تسقط على كل منطقة الجنوب على ابواب تل أبيب كانت المفاجأة التي أعدتها لنا حماس في صيف 2014. القبة الحديدية، ثمرة عبقرية مهندسينا، كانت «الجرف الصامد» الذي تحطمت عليه هذه المفاجأة. فقد أثارت منظومة اعتراض الصواريخ وتميز أطباء اسرائيل الذين فعلوا العجائب في انقاذ الحياة، في ارجاء العالم السؤال الحقير لماذا تعد خسائر اعدائنا بالالاف وخسائرنا «فقط» بالعشرات.
إرهاب السكاكين هو الاخر فاجأنا. حتى اليوم لم نستوعب بعد باننا في حرب، وان كان بسبب الاعتياد على تسمية الحروب الفلسطينية «انتفاضة». فالجميع يتفق اليوم على أن الانتفاضة الثانية الاجرامية كانت من صنيع «الشريك» عرفات، ولم يكن تنظيمه غير ذراع فتح. ولكن في تلك الايام اعتبر من اعتقد هكذا متطرفا ودحر الى الهوامش. اما «الانتفاضة الثالثة» او «انتفاضة الافراد» فتبدو لنا عفوية وغير منظمة، ولكننا سنفهم ذات يوم الإحكام والتخطيط خلف ضرب السكاكين المصادف المزعوم هذا.
مباشرة، من داخل القطاع، لا تتجرأ حماس على مهاجمتنا لمغبة ردع «الجرف الصامد» الذي لا يزال فاعلا. أما ابو مازن، من جهته، فلا ينجح في أن يصدر اضطرابات شارع جماهيرية، بسبب غياب القدرة على ايقاظ الجماهير المنشغلة في نيل الرزق. والتسلل العميق لجهاز الشاباك الاسرائيلي وتواجد الجيش الاسرائيلي في الميدان لا يسمحان للإرهاب الاجرامي من نمط الانتفاضة الثانية. وتبقى ضاربو السكاكين الافراد كأهون الشرور على سبيل الافضل والاكثر تفكرا.
غير أن التنفيذ عمليا يخيب أمل المخططين الذين افترضوا بان كل مهاجم سينتج عددا كبيرا من الضحايا اليهود قبل تحييده. ووفق حساب لبضع هجمات في اليوم، وبتوزيع جغرافي مناسب، كانت شوارع اسرائيل ستصبح ساحات فزع، هستيريا وتشويش لمجرى الحياة العادي، في ظل تمزيق الهامش الحساس للتعايش، الذي ينشأ بين اليهود والعرب على جانبي الخط الاخضر، والذي يغيظ حكام غزة ورام الله على حد سواء.
وهذه المؤامرة هي الاخرى افشلها اثنان: «الرجل في الشارع»، الذي انكشف كـ «القبة الحديدية» لهذه الحرب، وبما يشبه «الجرف الصامد» كان ايضا الطبيب الاسرائيلي. شاهد عيان يروي أنه في احدى الهجمات قرب باب الخليل في القدس رأى تيارا من الناس الفارين امام حامل السكين وتيارا آخر يركض في الاتجاه المعاكس نحو القاتل، لمساعدة المعتدى عليه ولتحييد المهاجم. وبينما الظاهرة الاولى مفهومة، فان الثانية هي الجديد. هي، والعديد الكبير من المسلحين بسلاح شخصي في الجمهور المدني.
في لحظة الحقيقة، فان اصحاب «الرأس الكبير» الى جانب قوات الامن، نجحوا حتى الان في شل القتلة منذ الثواني الاولى لحملة القتل خاصتهم. وهكذا، فليس فقط لا ينتج هؤلاء ما يكفي من الضحايا اليهود كي يجعلوا الجهد مجديا، بل هم يدفعون بشكل عام الثمن بحياتهم ايضا. وكل هذا دون أن يخرج السلاح الذي في ايدي المواطنين عن عموم السيطرة، مثلما يحصل كثيرا في الولايات المتحدة، وذلك لان المواطن الاسرائيلي مسؤول ومنضبط على نحو رائع.
ان مساهمة الطبيب منقذ الحياة، الى جانب تفانيه وخبرته ساهمت كلها في تخفيض عدد الضحايا اليهود مقارنة بالثمن الذي يدفعه القتلة لدرجة أنه مرة اخرى ـ مثلما في «الجرف الصامد»، يرفع كارهو اسرائيل حواجبهم عجبا لعدم التناسب في عدد الخسائر بين الطرفين. وبالتالي من المتوقع ارتفاع في الطلب على «مجرمي الحرب» للتخريب على اليهود انجازاتهم في هذه الحرب ايضا. وستقوم «نحطم الصمت» بتوفير هذه الحاجة بطواعية.
نحن جيدون في الجلد الذاتي، وثمة سبب يدعونا الى ذلك. ومع ذلك، فليس عار فاسدي هولي لاند ولا عار قتلة قرية دوما يعكسان الصورة الاخلاقية لشعبنا بل القدوة التي يقدمها المرة تلو الاخرى في اختبارات الحياة والموت.
(المصدر: يديعوت 2015-12-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews