صناعة «الرؤية الاقتصادية»..السؤال الأصعب
هناك حكمة صينية قديمة تقول "حتى أقصر رحلة لا يمكن إكمالها إلا بخطوة أولى، ولا يمكن الانتهاء من أصغر المهام دون اتخاذ إجراءات". ولعل هذه الحكمة تفتح الباب على تقرير "ماكينزي" عن التغيير الاقتصادي في السعودية، وما صاحب التقرير من ردود أفعال بدت معظمها تدور في فلك أن التقرير "قال كل شيء لكنه لم يقل شيئا" وكأنها "أحجية اقتصادية" لمن يهوى الأحجيات.
غير أن اللافت ليس في الأرقام الخاصة بالعوائد نتيجة التنويع في مصادر الدخل، ولا في أعداد المؤهلين لدخول سوق العمل خلال السنوات الخمس القادمة، بل اللافت في رأيي هذا الاهتمام "الشعبي" الذي كان حكرا على "النخبة" في الحديث عن تقارير اقتصادية، ومصطلحات تدخل المعجم السعودي مثل: التنويع الاقتصادي، التحول الاقتصادي، صناعة الرؤية الاقتصادية، وهي مصطلحات تعني في رأيي أن الخطوة الأولى التي تقول عنها الحكمة الصينية تبدأ بالرأي العام وأن المجتمع بمكوناته العلمية والثقافية والفكرية بات جاهزا لخطة تحول اقتصادي حقيقي يضع السعودية على خريطة التنافسية الاقتصادية ضمن منظومة شراكة شاملة تقودها الحكومة وتشرف على تنفيذ كل مفرداتها.
ربما أن الصورة النمطية التي ألفها المواطن السعودي، بأن النمو في المشاريع والتشييد يعكس أمانا اقتصاديا وازدهارا كبيرا، أقول ربما يصبح من أدبيات الماضي، وقد يتحول الحديث لمناقشة الموازنة العامة للدولة وفق رؤية اقتصادية تتسامى وتجارب بعض الدول التي استطاعت تنفيذ خططها التنموية والإسراع في الإصلاح الاقتصادي كما حدث في ماليزيا التي استطاعت خفض نسبة العجز من 6.7 في المائة إلى 3.4 خلال خطة خمسية واحدة ما بين 2009 – 2014، كما تقدم اقتصادها درجتين لتحتل المرتبة الـ 18 عالميا والمرتبة الأولى على مستوى الدول النامية الآسيوية بحسب تقرير التنافسية العالمية 2016-2015.
شخصيا أتوقع أن سقف الرؤية الاقتصادية لدى صناع القرار في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية هو أعلى مما حواه تقرير "ماكينزي" حيث يتعلق الأمر بتغيير حقيقي في نظرة المواطن السعودي للعمل والمشاركة والمسؤولية التنموية، وهي رؤية لا تتحقق عبر مكاتب استشارية متخصصة في الاقتصاد فحسب بل عبر مشاركة شعبية واسعة لورش عمل لفئات ممثلة للمجتمع. والأهم مع جهات حكومية كبرى تشارك فيها كل وزارات الدولة وتتحمل على أساسها مسؤولياتها تجاه خطة التنمية وفق ما يعرف بوثيقة للالتزام الحكومي، التي هي في الأساس مؤشرات لأداء وقدرة كل قطاع على تنفيذ دوره في خطة تنموية تعتبر الأكثر أهمية كونها ترتبط بمفهوم "التحول الاقتصادي".
الأهم في القادم أن خطة اقتصادية تنموية، يجب أن تعمل على تعديل وتغيير وتسريع الكثير من الأنظمة في البلاد، وهو ما يعني أن التغيير سيبدو ملموسا على حياة الناس، لذلك أهمية إشراكهم أو ممثلين عنهم لأنهم سيصبحون لاعبين أساسين في صناعة الرؤية الاقتصادية، وليسوا مشاهدين غير مهتمين بما يحدث من حولهم في العالم. اليوم نحن في حاجة ماسة لرؤية مشتركة يعمل لها كل فرد وتساندها جميع مفاصل الدولة.
(المصدر: الاقتصادية 2015-12-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews