الفجوة الكبيرة في استراتيجية أوباما حيال «داعش»
في قلب استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما للتعامل مع تنظيم داعش توجد مساحة خاوية، يفترض ملؤها بـ«قوة برية سنية»، لكن بعد جهد دام أكثر من عام، لم تملأ القوات السنية ذلك الفراغ حتى الآن. ومن دون ملء هذه الفجوة، لن تنجح خطة أوباما.
ومن ناحية أخرى، تطرق الرئيس أوباما إلى قضية معقولة خلال خطابه إلى الأمة مساء يوم الأحد الماضي. كان على حق عندما أكد على ضرورة الصبر والمثابرة في محاربة المتطرفين الإسلاميين، بدلاً من «النقاش الصعب». وهو على حق في قوله إنه لا ينبغي على الولايات المتحدة تغذية تخيلات المتطرفين بـ«حرب برية طويلة ومكلفة». وهو على حق أيضًا، خصوصًا في مسألة أننا سنكون بأمان في الداخل والخارج إذا تحالفنا مع معظم المسلمين ضد المتطرفين.
لكن كان هناك صندوق أسود غامض في منتصف خطاب أوباما، وتمثل في محاولته شرح ذلك: «إن الاستراتيجية التي نستخدمها الآن - الغارات الجوية، والقوات الخاصة، والعمل مع القوات المحلية التي تقاتل من أجل استعادة السيطرة على بلادها - هي التي تمكننا من تحقيق فوز أكثر استدامة».
ما «القوات المحلية» التي يتحدث عنها أوباما؟ إذا كان يقصد القوات الكردية في العراق وسوريا، فحسنًا، لقد كان أداؤها رائعًا في المناطق الكردية، وهي لا تريد تحرير أو السيطرة على معقل السنة الواقع تحت قبضة «داعش»، ولا ينبغي عليها فعل ذلك. وإذا كان أوباما يتحدث عن الجيش العراقي الذي يقوده الشيعة، فقد كان أداؤه بالكاد ملائمًا، حتى في ظل تلقيه الدعم من القوة الجوية الأميركية، ويزدريه بعض السنة ولا يثقون به في الرمادي والفلوجة والموصل. أما إذا كان يتحدث عن الفصائل الإسلامية في سوريا المسلحة من جانب بعض الدول العربية وتركيا، فلا يزال من غير الواضح تمامًا ما إذا كانت صديقة أم عدوًا.
والحقيقة المزعجة هي أن القوة البرية السنية القوية والموثوقة والمحلية لا وجود لها حتى الآن في العراق أو سوريا. وتحاول الولايات المتحدة إصلاح هذه المشكلة منذ سقوط الموصل في يونيو (حزيران) 2014، مع عدم إحرازها نجاحًا يذكر. إننا مثل المزحة التي تقول إن هناك اقتصاديًا جائعًا يحتاج إلى فتح علبة فول في جزيرة صحراوية ويفكر: «دعنا نفترض أننا نمتلك فتاحة علب هنا».
فكّر في الآمال الزائفة والاتصالات المفقودة على مدى العام الماضي: في العراق، تم إرسال المدربين الأميركيين إلى قاعدتي الأسد والتقدم الجويتين في محافظة الأنبار لتدريب الآلاف من مقاتلي العشائر السنية. لم يظهر رجال القبائل في الغالب، ولا عجب في ذلك، فلا تزال الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد ترفض إعطاء «الحرس الوطني» السني قوة حقيقية. وفي سوريا، أذن الكونغرس الأميركي بخطة تدريب وتجهيز قوة سنية كبيرة بقيمة 500 مليون دولار لمحاربة تنظيم داعش. ولم يتم تسجيل سوى بضع مئات فقط، بدلا من العدد المتوقع، 5 آلاف، ووقعت الموجة الأولى من المقاتلين في فخ، وهوجموا من قبل المتطرفين المتمركزين في شمال سوريا.
لماذا جرت كل تلك الجهود بشكل خاطئ؟ وما الذي تحتاج إليه لإصلاحها؟ في الأساس، يمكنني القول إن غالبية السنة لا يثقون في أميركا التي قلبت عالمهم رأسًا على عقب في غزو العراق عام 2003 الذي أطاح بالرئيس صدام حسين. وكان زعماء القبائل هم استراتيجيتنا السنية الافتراضية منذ ذلك الحين: نحن نحاول الآن استخدامهم كمرتزقة ضد تنظيم داعش، لكنها صفقة فاسدة على كلا الجانبين.
وتوضح مشكلة عدم ظهور السنة الفجوة العميقة في استراتيجية أوباما، ففي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط يعاني السنة من نوع من الدوار، وأصبحت مراكز القوة السنية – مصر، وسوريا، والعراق، وليبيا – في حالة خراب. ويشعر الناس بالحرمان وبخيبة الأمل وبالاشمئزاز من الرؤساء المستبدين الذي حكموهم قبل ذلك، ومن المتشددين الذين يريدون حكمهم حاليًا.
وسيكون ملء الفراغ السني بثقة نفس جديدة هو عمل جيل، لكن يجب أن يبدأ الآن، لأنه جزء أساسي من هزيمة المتطرفين. وينبغي أن تعمل أفضل المراكز البحثية على حل هذه المشكلة، حيث ينبغي أن يصنع ألمع الناشطين الشباب في العالم العربي خططًا للحكم والتنمية الاقتصادية. وينبغي على المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وضع خطط للوصاية والتعمير والحكم.
إنه عام 1944 في العالم العربي، وهزيمة المتطرفين تتطلب خلق هيكل سياسي سني مفيد.
كيف سيبدو معقل السنة المنبعث في العراق وسوريا؟ حسنًا، يمكنك الحصول على فكرة جيدة عن طريق إمعان النظر في كردستان العراق. إنها تزدهر تحت منطقة الحظر الجوي الأميركية المعروفة باسم «عملية توفير الراحة»، والتي بدأت عام 1991. وفي ظل ذلك الغطاء الواقي، اندمج الاستثمار والأمن والاستقرار السياسي معًا في حلقة إيجابية.
عندما نفكر في مستقبل العراق وسوريا، ينبغي أن نضع في اعتبارنا المحافظات السنية النابضة بالحياة، التي - مثل كردستان - هي جزء من دولة فيدرالية فضفاضة. وفي ظل بناء استراتيجية لهزيمة تنظيم داعش، سيكون خلق قوة سنية بمثابة عمود طويل في خيمة.
(المصدر: واشنطن بوست 2015-12-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews