تهديد الميليشيات : اللسان في طهران والصوت في بغداد
الذي تابع ما يشبه " النفير العام " الذي أعلنه السيستاني عبر وكيله في خطبة الجمعة الفائتة ، وتحريضه على إعلان الحرب على كل من يدخل الأراضي العراقية بدون أذن من الحكومة المركزية في بغداد ، تنجلي أمامه حقيقة لا لبس فيها : أن المرجعية الشيعية في العراق باتت أسيرة أوامر الولي الفقيه الصفوية .
قضية بضعة الجنود الأتراك المتواجدين في أراضي العراق منذ العام الفائت بموجب طلب من حيدر العبادي نفسه ، وفق ما أعلنه أردوغان ، باتت الشغل الشاغل لحكومة انحدرت أصلا من حزب الدعوة الموالي لإيران ، والذي افتتح أول مكتب له في الكوفة في العام 2003 بموافقة الإحتلال الأمريكي ، ومن يومها والحزب يتمدد علنا في وسط العراق وجنوبه إلى أن تمكن من الإمساك بتلابيب السلطة لسنوات عجاف امتدت طوال حكم نوري المالكي التي كان مسلكها سببا بوجود داعش وأنصارها في الوسط والشمال وبعض دول المنطقة ، واستمرت بإحلال العبادي مكانه برغبة إيرانية أمريكية مشتركة .
ولقد كان مشهدا كوميديا بالفعل ، ذلك الذي ظهر فيه زعماء الميليشيات الإيرانية وهم يرعدون ويزبدون ويقرعون طبول الحرب ، وأبرزهم هادي العامري زعيم منظمة بدر التي قتلت عشرات آلاف العراقيين السنة وألقت جثثهم في نهر دجلة في ما عرف حينها بفرق الموت والقتل على الهوية ، إبان بدايات سني الإحتلال ، وأيضا قيس الخزعلي الذي هو في الحقيقة ضابط معمم في الحرس الثوري تفنن في وسائل التعذيب والخطف لآلاف من شباب السنة العراقيين في الأنبار وفي الشمال ، والذي اغتصبت ميليشياته مئات العراقيات السنيات ، وأخفت عشرات العائلات ، وهو نفسه من أرسل بأوامر إيرانية - الآلاف من مقاتليه إلى سوريا ، وكلاهما - العامري والخزعلي - بايعا مع زعماء ميليشيات آخرين علي خامنئي كمرجعية دينية وولي فقيه ينوب عن المهدي المنتظر المتواري في السرداب في سامراء ، ما جعل من السيستاني مجرد ظل لا حول له ولا قوة .
قلت : كان مشهدا كوميديا ، لأن ما تذرع به رؤساء العصابات الإيرانية هؤلاء يدخل في هذا الباب ، حيث طالبوا بأن ترحل القوات التركية الأجنبية التي اخترقت " السيادة " العراقية ، وتوعدوا أنقرة بالرد العسكري في الوقت الذي تحتل فيه داعش نصف البلد ، وتطير في سماء العراق طائرات وصواريخ من مختلف الأشكال والألوان والأنواع ، وتستباح فيه الحدود في وضح النهار وآخرها دخول 500 ألف إيراني بدون تأشيرات اقتحاما وبدون جوازات سفر ، ولكن قادة الميليشيات الإيرانية هؤلاء تلقوا أوامر صريحة بأن يتم تلاوة بيان التهديد بالهيئة التي ظهروا عليها باعتبارهم عراقيين ، ولقد تمت تلاوة البيان كما أريد له ذلك ، مع أن الفم واللسان كانا في " قم " وطهران ، بينما الصوت في " النجف " وبغداد ، ولقد " أكملها " مقتدى الصدر في تصريحه الأخير ، حيث توعد هو الآخر بالرد العسكري وطرد الأتراك بالقوة ، دون أن ننسى بأن الصدر مكث في " قم " عدة سنوات وخضع لـ " الـتأهيل الشرعي " الإيراني على الطريقة إياها .
لقد كانت هذه " الحركات " الحكومية العراقية التي تسند ظهرها للميليشيات الأيرانية المذكورة ، نتاج الحلف الإيراني - الروسي - الأسدي والذي بدأت ملامحه تنجلي إلى أن وصلت إلى هذه الدرجة من السطوع ، في الوقت الذي تعتبر فيه حكومة العبادي المكمل الرابع لهذا الحلف الطائفي الدموي ، ولكن " التقية " تمنعها من الإعلان عن عضويتها الكاملة بصراحة ، نظرا لارتباطاتها مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على داعش ، وعليه ، فإن إيران اختارت كما يبدو المواجهة العلنية مع الأتراك نصرة لبوتين الذي أهدى خامنئي قرآنا تاريخيا من العصر الأموي ، قيل إن والد بشار الأسد سرقه من " آثار " المسجد الأموي ليتقرب به من" القيصر " .
قد تسحب تركيا " بعض "جنودها من العراق ، وقد لا تفعل ، ولكن هذه الحادثة ، أو الواقعة ، أنبأت بما هي مقدمة عليه المنطقة ، من حروب طائفية ، لن يربح بها لا إيران ولا تركيا ولا أحد ، وسيكون الخاسر فيها شعوب تعبت من ديكتاتوريات أهلكت الحرث والنسل ، ولم يبق لهذه الشعوب المسكينة سوى الدخول في حروب أهلية لا تبقي ولا تذر تسعى إليها إيران الصفوية وأدواتها من مثل هذه الميليشيات وغيرها كثير في لبنان وسوريا وباكستان وعموم الشرق الأوسط .
قلنا في أكثر من مقال : إن توقيع الإتفاق النووي مع إيران لن يجعل منها حمامة سلام ، وها هي ، بعد توقيع الإتفاق بشهور ، لا زالت كالغراب الذي لا ينعب إلا بالخراب .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews