الأبعاد الاقتصادية للعقوبات الروسية على تركيا
أثارت العقوبات الاقتصادية الروسية على تركيا بعد اسقاط طائرتها (سوخوى 24) على الحدود السورية التركية التساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين،وأثرها على الدول المرتبطة بعلاقات اقتصادية مع روسيا و من بينها مصر.
فمن الملاحظ ان المكون الاقتصادى كان يحتل قبل الازمة مساحة كبيرة فى العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وانقرة،مما حدا الى تشكيل مجلس اعلى للتعاون التركى الروسى هيمنت عليه الاجندة الاقتصادية فتركيا هى ثانى اكبر مستورد للغاز الروسى فى العالم، حيث تلبى روسيا نصف احتياطياتها من الغاز ، كما تحتل تركيا صدارة الدول المستوردة للقمح من روسيا بقيمة تجاوزت 4 ملايين طن العام الماضى ، علاوة على ان روسيا هى اكبر مصدر للسياحة الى تركيا، حيث ان اكثر من 4.5 مليون سائح روسى قد زاروا تركيا خلال العام الماضي،كما تخطى حجم التبادل التجارى بين البلدين حاجز الــ30 مليار دولار.
ورغم تشابك المصالح الاقتصادية بين البلدين فقد اقدمت روسيا على توقيع عقوبات اقتصادية على تركيا تمثل ابرزها فى حظر استيراد الحاصلات الزراعية والمنتجات الغذائية التركية ومنع رحلات الشارتر السياحية زهيدة التكلفة الى تركيا، و حظر توظيف العمالة التركية فى روسيا.
وامام هذه القائمة الطويلة من المصالح المشتركة، فإنه من الصعب التكهن بحدوث تصعيد من الجانبين،بل على العكس فروسيا فى حاجة كبيرة الى تركيا بعد فرض مقاطعة غربية على غازها الطبيعى وانخفاض اسعار البترول عالميا،كما ان تركيا تعد ممرا مهما لصادرات روسيا الى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة ، ولا يمكن اغفال تعاقد شركة روس اتوم الروسية العملاقة لبناء أربعة مفاعلات نووية فى تركيا بقيمة 22 مليار دولار،كما يمثل مشروع خط انابيب «ترك ستريم» البالغ قيمته 16 مليار دولار اهمية كبيرة لمرور الغاز الروسى بعد العدول عن مشروع خط انابيب «ساوث ستريم» الذى كان سيمر عبر اوكرانيا.
وستشكل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعانيها الاقتصاد الروسى بسبب العقوبات الغربية عامل ضغط على صانع القرار تجاه تصعيد حدة التوتر مع تركيا، فمعدل نمو الناتج المحلى الاجمالى لروسيا قد انخفض من 1.3% عام 2013 الى 0.6% عام 2014 كما تدهورت قيمة العملة الروسية الروبل امام الدولار بنسبة 90% منذ يوليو 2014 وماتبع ذلك من اثار تضخمية دفع ثمنها المستهلك المحلى الروسي.
كما ان تركيا فى حاجة لروسيا، فالاقتصاد التركى ليس فى أحسن حالاته فلم تعد تركيا تحقق معدلات النمو الكبيرة التى تجاوزت الـ8% خلال الفترة من 2009 الى 2011،حيث بلغ متوسط معدل النمو خلال الاعوام الثلاثة السابقة نحو 3% كما انخفضت الليرة التركية امام الدولار بنحو 20% خلال عام 2014.
علاوة على ان السوق الروسية تستوعب نحو 5 مليارات دولار من الصادرات التركية للعالم فى ظل التباطؤ الاقتصادى الذى تشهده دول الاتحاد الاوروبى ،كما توجد اكثر من 140 الف شركة تركية تعمل فى روسيا،و ترتبط شركات المقاولات التركية بعقود مقاولات ضخمة بعدة مليارات فى السوق الروسية،حيث تستحوذ شركات المقاولات التركية على نحو 35% من العقود الاجنبية فى السوق الروسية.
وإزاء هذا المشهد المعقد ،فإن روسيا ستكون امام أحد سيناريوهين، الاول هو الاستمرار فى التصعيد مع تركيا رغم صعوبته للاسباب السابق ذكرها، و فى هذه الحالة فإن روسيا ستلجأ لأسواق بديلة لسد احتياجاتها من السلع الزراعية والمنتجات الغذائية ومنها على سبيل المثال مصر والمغرب واسرائيل وجنوب افريقيا،وهو ما سيمثل فرصة جيدة امام مصدرى الحاصلات الزراعية فى مصر خاصة مصدرى الموالح التى تستحوذ على النصيب الاكبر من صادرات تركيا لروسيا من الخضر والفاكهة البالغة 1.5 مليار دولار.
أما السيناريو الثانى فهو تخفيض حدة اللهجة التصعيدية الروسية تجاه تركيا،خاصة بعد تصريحات الرئيس التركى رجب أردوغان بأن بلاده لن تتخذ اجراءات مماثلة ردا على العقوبات الروسية على انقرة، وكذا الجهود الحثيثة التى يبذلها حلف شمال الأطلنطى والولايات المتحدة لاحتواء الازمة والتوصل الى تفاهمات لعدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا.
و يبقى السؤال هل ستحول الحسابات الاقتصادية للبلدين دون تعميق هوة الخلاف السياسى وينكسر الكبرياء الروسى والعناد التركى أمام لغة الأرقام والمصالح الرأسمالية؟
(المصدر: الاهرام 2015-12-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews