إسرائيل الصغيرة
شعور الاختراق يتملكنا في الاسابيع الاخيرة. أنا لا أقصد فقط اورن حزان أو ينون مغيل، حيث إن كل واحد منهما وبطريقته قد عمق دفن الخجل. بل أقصد الشعور المتصاعد بأن السلوك السلطوي كله أصبح بلا زمام. كل شيء مسموح ولا توجد حدود والمؤسسات العامة تُداس، بعضها عن طريق التدخل الخارجي، وبعضها ينهار نتيجة التعفن من الداخل.
الشرطة التي هي الجسم الذي يفترض أن يدافع عن أمننا وحقوقنا، تبدو محطمة. هناك فجوة كبيرة بين النخبة التي يتساقط الجنرالات منها الواحد وراء الآخر وبين الشرطة المخلصين الذين ألتقي بهم في جميع نقاط المواجهة والذين يدافعون بأجسامهم عنا، نحن المواطنين. يجب علينا جميعا الأمل بأن ينجح روني الشيخ الذي هو شخصية حكيمة، لكن المهمة التي أمامه مستحيلة تقريبا.
لماذا تم اختياره هو بالذات، الذي كان يفترض أن يصبح رئيسا «للشاباك» بعد ستة اشهر، لماذا تم اختياره لقيادة الشرطة؟ ما الذي وعده به رئيس الحكومة؟ هل هذا يتعلق بتقدم التحقيق حول التصرفات داخل منزل رئيس الحكومة؟.
كان يفترض أن يقرر نتنياهو في هذه السنة حول عدد من التعيينات المهمة في مرافق الدولة. لكن يبدو أنه يركز على التغييرات التي ستؤثر عليه مباشرة: المفتش العام للشرطة والمستشار القانوني للحكومة. لقد تم تعيين المفتش. وقد يتفاجأ نتنياهو ويكتشف أن ألشيخ سيقوم بدوره كممثل حقيقي للجمهور دون مواربة.
في تعيين المستشار القانوني يواجه نتنياهو صعوبات، ومن المشكوك فيه أن ينجح في تعيين مرشحه المفضل ـ افيحاي مندلبليت. المستشار القانوني القادم هو الذي سيحسم التحقيق الحالي الذي يركز على زوجته ـ نتنياهو يبحث عن مرشح يكون مريح له مثل المستشار الحالي على الاقل.
ما زالت هناك اماكن عامة يوجد فيها اشخاص يخدمون الجمهور وليس المنتخب. الجيش الإسرائيلي هو أحدها. هنا يتواجد وزير الدفاع مثل جدار أمام أي تدخل سياسي في التعيينات. ولسبب غير واضح قرر نتنياهو ازعاج يعلون بتعيين المسؤول عن الامن في جهاز الامن، لكن يده لا تستطيع أن تطال الجيش الإسرائيلي.
الموساد ايضا ما زال جهاز يرى معظم العاملين فيه أنفسهم كخدم لدولة إسرائيل ومواطنيها وليس للحكم. رغم أن الحديث هنا عن منظمة جميع اعمالها ترتبط بالكذب والخداع ـ داخل الموساد يوجد حرص كبير على الطهارة والمصداقية. ورئيس الموساد التارك، تمير فردو، أحدث تغييرا في مجال كان فيه الموساد متأخرا: العلاقة بين الرجال والنساء. لقد بدأ الجيش قبل عشرين سنة بمحاربة التحرش الجنسي، وفي العقد الاخير بدأ «الشاباك» ايضا بتبني هذه القيم، لكن الموساد لم يُحدث أي تغيير، إلى أن وضع فردو معايير واضحة ولم يتردد في اقالة مسؤول رفيع عندما يخطيء.
بعد شهر سينهي فردو ولايته، لكن نتنياهو لا يسارع إلى اختيار البديل. هناك ثلاثة مرشحين طبيعيين للمنصب: يوسي كوهين، رام بن براك ون. ـ الثلاثة كانوا نائبين لرئيس الموساد. والثلاثة لديهم حلفية استخبارية وتنفيذية غنية. يمكن الحديث عن افضليات ونواقص كل واحد منهم، لكن لا خلاف حول أنهم ثلاثتهم مناسبين. يبدو أنه يوجد لرئيس الحكومة مرشح آخر من الخارج. ونحن نأمل أن هذا التعيين لا يتحول هو ايضا إلى سخرية.
نتنياهو لُدغ مرتين من الموساد. في 1997 دفعه داني يتوم إلى التوقيع على عملية التصفية الفاشلة لخالد مشعل، وفي 2010 كان هذا مئير دغان رئيس الموساد صاحب الهالة والنجاح حيث أنه نسبت لإسرائيل عملية قتل محمود المبحوح في دبي. في الحالتين دفعت إسرائيل الثمن وتعلم نتنياهو الدرس.
كان عندنا رؤساء حكومات أحبوا قراءة مواد الموساد وتعمقوا في افعاله مثل اسحق شمير واسحق رابين. نتنياهو هو من نوع مختلف. ومن خدم تحت إمرته يقول إن المواد الاستخبارية لا تهمه وكذلك العمليات السرية لا تترك الانطباع لديه. سيفرح للعملية التي تعود عليه بالهالة والعظمة، لكنه يخشى من خلل يؤثر عليه. اختياره لرئيس الموساد القادم سيظهر اذا كان يريد موساد متردد ولا يؤثر عليه في محاولة اعادة انتخابه، أو أنه متيقظ للتغير التاريخي الذي يحدث حولنا ويريد موساد يعرف استغلال جميع الفرص.
الموضوع التركي
التغيير الحاصل في المنطقة هو بمفاهيم ضخمة جدا. سوريا، العراق، ليبيا واليمن ـ تحولت جميعها إلى ماضٍ. لن تعود أي من هذه الدولة كما كانت في الحدود التي عرفناها، وبدلا منها سينشأ شيء جديد يحدد ملامح المنطقة ويؤثر على أوروبا وكل العالم. «في أحلامنا لم نتخيل أنه في سوريا ستكون صواريخ إس 400 روسية، أو أن الصواريخ المتحركة الروسية ستحلق في المنطقة»، قال ضابط رفيع هذا الاسبوع. التواجد الروسي في سوريا هو حدث مفصلي، ورغم التنسيق الجيد الذي استطاعت إسرائيل تحقيقه مع الروس، ما زال هنا مجال كبير للاخطاء وللتصادم الغير مرغوب.
في إسرائيل وفي العالم يفكرون في محاولة لحل لغز دوافع تركيا لاسقاط الطائرة الروسية. وجميع المؤشرات تظهر أن الحديث ليس عن خطأ أو مبادرة محلية، بل عن شرك وضعه الاتراك للطائرة الروسية. كان هذا اسقاط موجه وبعلم المستويات العليا في تركيا.
هل اخطأ اردوغان في تقدير الرد الروسي؟ الجواب هو لا. فهو يعرف جيدا الجارة الاكبر من الشرق، ويعرف أنها لا تغفر. يبدو أنه اعتقد أن الربح السياسي الداخلي سيكون أكبر من الثمن الذي ستدفعه تركيا لهذا القرار. واذا كان هذا أو ذاك، فقد وضع نفسه كقوة مستقلة تقود سياسة واضحة في تأييدها لداعش، محرضا على روسيا وعلى الناتو.
أين نحن في هذه القصة؟ ما الذي تفعله إسرائيل داخل التغيير التاريخي من اجل لعب دور في تشكيل الشرق الاوسط المستقبلي؟ لا شيء تقريبا. نحن نركز على اورن حزان وسكين إبن الـ 16 سنة وكأن وجودها يتعلق بهذه الامور. قيادتنا تهتم باعادة انتخابها من جديد. ومثلما قال هنري كيسنجر: «لا توجد لنا سياسة خارجية ـ فقط سياسة داخلية».
(المصدر: معاريف 2015-12-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews