ليبيا: توافق دولي ومحلي حول الحكومة
التوافق الدولي حول الحل السلمي في ليبيا الناتج عن الحوار الوطني الذي قادته البعثة الأممية إلى ليبيا، والذي تبلور في اقتراح حكومة وفاق وطني وبعض البنود الخاصة بالعمل في المرحلة الجديدة، كان سابقا على التوافق المحلي الذي تعرض لشد وجذب، ولغط بين شرق وغرب وشمال وجنوب، بينما الحالة المعيشية تزداد ترديا، والمواطن الليبي يغرق في المعاناة القاسية نتيجة انتشار الجريمة وغياب الأمن وشح مصادر الدخل، والإرهاب يهدد باجتياح مناطق جديدة، غير ما احتله من مدن رئيسية مثل درنة وسرت ثم أجدابيا، غير بعيد من هلال النفط، والخزانة الليبية مهددة بالإفلاس الكامل، ونقاش بيزنطي في أروقة السياسة المحلية بين مجلس نواب وصل نهاية عهده، ومؤتمر وطني فاقد الصلاحية، وكيانات هشة تدعي أن لها حضورا بالكلام أو بالبلطجة ولغة السلاح، إلا أن المبادرة الأخيرة التي قام بها اثنان وتسعون شخصا من النواب، يشكلون أغلبية هذا المجلس، بالموافقة المبدئية على تشكيل حكومة وفاق وطني، جاءت لتضع الحد الفاصل بين عهد الانهيارات والتردي وبين بداية الإصلاح والبناء، وهذه الخطوات الواجب اتخاذها عقب الإعلان عن المبادرة:
- أول هذه الخطوات هي تفعيل هذه المبادرة من داخل قاعة البرلمان وتحت قبته، والخروج بقرار البرلمان الليبي بالقبول بمقترح الحكومة الوطنية ومجلس رئاستها وإعطاء الإذن لهذا المجلس بتشكيل أعضاء الحكومة للمصادقة عليها.
- العمل منذ لحظة تكليفها بوجود صيغة عملية لتأمين هذه الحكومة داخل العاصمة طرابلس، وليس بميليشيات مثل تلك التي مثلت تهديدا للحكومات الانتقالية السابقة، واستهتارا بها، إلى حد اختطاف أحد رؤسائها بملابسه الداخلية، وإنما بقوة أمنية عسكرية تحت سيطرة الدولة ووزيريْ الدفاع والداخلية ورئيس الحكومة نفسه.
- وهي نقطة متصلة بالنقطة الماضية تخص إيجاد صيغة لتفكيك الميليشيات التي زرعت الرعب والجريمة في طرابلس، وتعطيل عملها الذي تحول إجراما وخطفا وقتلا، وبناء قوة أمن بديلة تتبع الحكومة، حتى لو احتاج الأمر إلى الاستعانة بذوي القبعات الزرقاء في هذه المرحلة لحفظ الأمن إلى حين وضع أسلحة هذه الميليشيات داخل مخازن الدولة وتحت سيطرتها.
- لا بد من التفاهم مع المندوب الأممي ومن خلاله مع الهيئة الأممية والمجتمع الدولي، حول موضع الجيش الليبي الذي يحارب الإرهاب، من حيث الاعتراف به كقوة تخضع للدولة ولوزارة دفاعها، يجب دعمها ومناصرتها ورفع الحظر على تسليحها، وفتح آفاقها لاستيعاب كل عسكري من أعضاء الميليشيات يريد الانضواء بصورة فردية إلى صفوفها خاضعا لقوانينها وتراتبيتها العسكرية بما تقتضيه من التزام بالقانون.
- يمثل الإرهاب الداعشي والقاعدي أكبر تهديد للدولة الليبية، ولا بد من إدخال ليبيا في الحلف الذي يحارب الإرهاب لكي يباشر محاربته فوق أرضها، وبداية الحرب هي تجفيف منابع الإرهاب ورصد القوى التي تمده بالدعم البشري والمادي وتشتري له السلاح وترسله في بواخر وطائرات سبق أن تم رصدها من السودان وقطر وتركيا، التي يجب اتخاذ موقف ضدها من الدول التي ترحب بالوفاق الليبي وتريد السلام فوق أرض ليبيا وطرد الإرهاب الذي فاض على جوارها العربي والأوروبي.
- معروف أن الإسلام السياسي هو مصدر الإرهاب، والإسلام السياسي في الداخل الليبي هو الذي يرعى الجماعات المسلحة في درنة وهو الذي يرسل البواخر المحملة بالسلاح لتدمير بنغازي كما يقول الحراك السياسي الموجود في بنغازي والذي أصاب مدينته بالأذى ومازال يصيبها إلى هذا اليوم، ويجب معالجة هذه الحالة مع الأطراف التي ما تزال تدعم بعض الجماعات الإسلامية، ولا شك أن أوروبا التي بدأت في تحقيق نهضتها بفصل الدين عن السياسة والكنيسة عن الدولة، لا تستطيع أن تكيل لنا بمكيالين وتعتبر ما كان نافعا بها مضرا بغيرها.
- المعاناة التي تعيشها بنغازي تحتاج إلى معالجة جذرية وأن تكون على رأس الأولويات ليس فقط لأنها مدينة الثورة، ولكن فيما يبدو أن هناك أجندات خارجية وداخلية تستهدفها ربما عقابا لها على مبادرتها بالثورة، ولا بد من تعامل سريع وإيجابي مع حالتها وتخصيص ميزانية لإعمارها وتعويض أهلها ممن خسروا بيوتهم وفقدوا أهلهم، يتوافق مع تعيين الحكومة الجديدة ويمهد الطريق لنجاحها وقبولها من أصلاء هذه الثورة في المشرق الليبي.
- لإنجاح الحكومة لا بد من فك الأزمة المالية التي تعانيها ليبيا، ولا بد أن يشكل بدء وجودها بداية انفراج في المعاناة الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها كافة المدن الليبية، ويعاني منها الجهاز الحكومي وتعاني منها أجهزة الشرطة والأمن بكل أنواعه، وأهلا بمئة مليون يورو التي وعدت بها فديديريكا موغيريني، ولكن الأمر يحتاج إلى رفع الحظر على الأرصدة المجمدة، وفتح باب القروض من المصرف الدولي، وتسهيل مهمة الحكومة في استخراج النفط ومعالجة القضايا الفنية التي تستطيع الخبرة الدولية، الأوروبية والأميركية، إنجازها بسرعة لبدء إصلاح الأجهزة المعطوبة في الصناعة الليبية والاقتصاد الليبي، وبينها صناعة النفط استخراجا وتصنيعا.
- لا شك أن المجتمع الدولي معني بمسألة الهجرة غير الشرعية التي صارت ليبيا محطة رئيسية لتصديرها، وهنا لا بد من تعاون دولي على حماية الحدود ورصد وردع عصابات المهربين والمتاجرين بالبشر والمتاجرين بالسلاح، وهو حمل كبير لا بد أن تتعاون قوى دولية وإقليمية مع ليبيا لضبطه وحل مشاكله.
ملفات كثيرة ستبقى عالقة تتصل بالمهاجرين والمصالحات الوطنية وإعادة التعمير والبناء وتفعيل أجهزة العدل القادرة على بسط العدالة، وملاحقة المجرمين الفارين من السجون، وقضايا أخرى كثيرة قد أعود إلى بعضها في مناسبات قادمة.
(المصدر: العرب 2015-12-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews