عدم توافق على مستوى تراجع الإنتاج الأمريكي

يتفق محللو أسواق النفط عموما على أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام بدأ في الانخفاض في شهر نيسان (أبريل) وهو مستمر في التراجع منذ ذلك الحين، لكن لا يوجد حتى الآن توافق في الآراء بشأن مستوى هذا التراجع والإنتاج المتوقع في الأشهر القادمة. استمرت شركات النفط الصخري بعمل تخفيضات كبيرة في الإنفاق الرأسمالي وأنشطة الحفر استجابة لانخفاض أسعار النفط. من الناحية النظرية هذا يعني أن إنتاج الولايات المتحدة في الوقت الحاضر على مسار نزولي.

ولكن حتى مع ذلك، إنتاج الولايات المتحدة – وبصورة خاصة النفط الصخري – كان صامدا بشكل ملحوظ وسط هذا الانكماش في النفقات والأنشطة، ما فاجأ بعض كبار المحللين والمختصين في هذا القطاع، الذين كانوا يعتقدون أن معدلات تراجع الإنتاج العالية لآبار النفط الصخري الجديدة، وانخفاض عدد منصات الحفر العاملة بنسبة 65 في المائة على مدى العام الماضي، قد يكون الآن أحدث استجابة في العرض أكثر دراماتيكية.

في الوقت الحاضر، تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج النفط المحلي قد انخفض بنحو 500 ألف برميل في اليوم منذ شهر نيسان (أبريل) إلى 9.1 مليون برميل في اليوم في شهر تشرين الأول (أكتوبر). وتتوقع الإدارة أن يستمر الإنتاج الأمريكي في الانخفاض حتى شهر أيلول (سبتمبر) 2016، ليصل إلى 8.5 مليون برميل في اليوم، بانخفاض 1.1 مليون برميل في اليوم من ذروة نيسان (أبريل) 2015. لكن، إدارة المعلومات ترى أيضا بدء ارتفاع الإنتاج مرة أخرى في أواخر عام 2016، بالنسبة لعام 2016 ككل تتوقع أن تنتج الولايات المتحدة 8.8 مليون برميل في اليوم أي فقط 500 ألف برميل في اليوم أقل من متوسط إنتاج عام 2015 المقدر بنحو 9.3 مليون برميل في اليوم. وتتماشى توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى حد كبير مع هذه التقديرات. على النقيض من ذلك، ترى بعض دور المعرفة أن إنتاج الولايات المتحدة كان مستقرا نسبيا حتى الآن.

عندما قررت "أوبك" في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي عدم خفض الإنتاج لدعم الأسعار، فُسر هذا القرار على أنه محاولة من المنظمة للتأثير في إنتاج النفط الصخري العالي التكلفة ودفعه خارج السوق، حيث منذ عام 2012 يعتبر هذا المصدر المحرك الرئيس لنمو الإمدادات من خارج "أوبك". لكن على ما يبدو أن المنظمة قبلت بأن هذه الاستراتيجية قد تستغرق وقتا أطول لكي تؤتي ثمارها. في الواقع، توقعات "أوبك" الخاصة لإجمالي إنتاج الولايات المتحدة – بما في ذلك النفط الصخري – تعتبر متفائلة مقارنة بإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، حيث تتوقع تراجعا طفيفا في إنتاجها على أساس سنوي في عام 2016.

في هذا الجانب، تشير التوقعات الأخيرة للمنظمة إلى أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام سوف يتراجع بنحو 100 ألف برميل في اليوم في عام 2016 إلى 9.1 مليون برميل في اليوم، بما في ذلك نحو 100 ألف برميل في اليوم من النفط الصخري ليصل إلى 4.17 مليون برميل في اليوم. في حين أن بعض المحللين أكثر تفاؤلا، حيث يتوقعون أن يصل إنتاج الولايات المتحدة في نهاية عام 2015 إلى 9.3 مليون برميل في اليوم، أي نحو 300 ألف برميل في اليوم أعلى من توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لنهاية عام 2015.

السؤال هنا، ما الذي يحدث بالضبط؟ وكيف تمكنت الشركات الأمريكية، التي تعاني خسائر مالية كبيرة، من المحافظة على الإنتاج من الانهيار تحت وطأة التراجع الكبير في الإنفاق الرأسمالي؟ نعم تحسين الكفاءة وخفض التكاليف ساهم إلى حد ما في ذلك، ولكن العامل الكبير قد يكون عدم تقدير معدلات الانخفاض الطبيعي Natural Decline Rate لآبار النفط الصخري بصورة صحيحة. على الرغم من أن معدل تراجع الإنتاج لهذه الآبار مرتفع جدا في السنة الأولى قد يصل إلى 60 - 70 في المائة، إلا أنها تتراجع إلى نحو 30 في المائة في السنة الثانية وحتى أقل بعد ذلك.

لذلك مع تقادم الآبار التي تم حفرها في الفترة بين عام 2012 و2014، تراجعت بصورة عامة معدلات الانخفاض الطبيعي لإنتاج الولايات المتحدة، ما سهل على المنتجين الحفاظ على مستوى الإنتاج عن طريق حفر آبار أقل – ولكن أكثر كفاءة. في نهاية المطاف تراجع عدد الآبار المحفورة حديثا سوف يتسبب لا محالة بخسائر فادحة في الإنتاج، ولكن عند هذه النقطة يأمل المنتجون تحسن الأسعار.

في هذا الجانب، تشير بعض دور المعرفة إلى أن معدلات تراجع الإنتاج في آبار النفط الصخري المتقادمة قد استقرت، ويتوقعون أن معدل تراجع الآبار التي هي بالفعل تنتج قد انخفض حاليا إلى 250 ألف برميل في اليوم سنويا من 350 آلف برميل في اليوم في شهر كانون الثاني (يناير) 2015. ويصر بعض المحللين على أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قد أخطأت بالاعتماد بشكل كبير في حساباتها على نشاط الحفر بدلا من عمليات التكسير الهيدروليكي، حيث إن استكمال الآبار التي تم حفرها في السابق وتركت دون إكمال له تأثير كبير. حتى بالنسبة إلى تشكيلات "باكن" التي تعتبر حساسة جدا لأسعار النفط، تقول الشركة المشغلة "هيس" إنها تستطيع الحفاظ على معدلات إنتاج 100 ألف برميل في اليوم لعدة سنوات بأربع منصات حفر فقط. في هذا العام، تتوقع أن تديم إنتاج 110 آلاف برميل في اليوم في تشكيل "باكن" باستخدام ثماني منصات حفر. في حين في عام 2014، احتاجت الشركة إلى 17 منصة حفر ولم تتجاوز 100 ألف برميل في اليوم حتى الربع الرابع.

لكن مع ذلك، هناك من يشكك في قدرة شركات النفط الصخري على الصمود، بما في ذلك بعض المختصين ذوي الخبرة الواسعة في هذا المجال، حيث يحذرون من أزمة مالية خانقة.

بصورة عامة، يمكن تفسير صمود النفط الصخري هذا العام من خلال الزخم القادم من عام 2014، عندما كان الاستثمار ونشاط الحفر لا يزال قويا. في هذا الجانب، قال الرئيس التنفيذي السابق لإحدى شركات النفط الصخري إنه على مدى الأشهر التسعة المقبلة سوف تفاجأ الصناعة بمعدل انخفاض إنتاج الولايات المتحدة. وأضاف بمجرد أن توقف زخم العمليات قبل بضعة أشهر، وبدأ الإنتاج في الانخفاض، سوف نرى الأشياء تتأرجح في الاتجاه الآخر – سنرى حقا ما يحدث عندما ينتهي هذا الزخم. بحلول شهر كانون الثاني (يناير) عام 2016، يتوقع أن يتراجع إنتاج الولايات المتحدة بنحو 700 ألف برميل في اليوم على أساس سنوي، هذا يفترض حدوث انخفاض حاد جدا في الأسابيع المقبلة – لكن أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأسبوعية تشير إلى أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة ما زال مستقرا تقريبا على أساس سنوي.

جميع هذه التناقضات في تقدير مستوى الإنتاج الأمريكي تؤثر في ميزان العرض والطلب وبالتالي في الأسعار.

(المصدر: الاقتصادية 2015-12-02)